غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والدروس المستفادة منها    الجزء الثاني

أبو ريان حميدي

#image_title

عندما أذن للصحابة بالقتال، بدأت أيضًا الفلسفة الذهبية للجهاد في نفس الوقت؛ فلسفة قادت الأمة المظلومة دوماً إلى النهوض، وأذاقت أعداء الإسلام مرارة الهزيمة.

يسمّي علماءُ السّيرة الجيش الذي حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة سواء وقعت فيه معركة أم لم تقع، أمّا الجيش الذي لم يكن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمّى سرية أو بعثاً، سواء وقعت فيها حرب أم لم تقع.

وقد اختلف في عدد الغزوات، فذهب بعض العلماء كموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والعلامة الواقدي، وابن الجوزي رحمه الله وغيرهم إلى أن عدد الغزوات هي 27 غزوة، وهناك خلاف أيضاً في عدد السرايا، ويعتقد كثيرون أن عدد السرايا 38 سرية.

وقد وقعت هذه الهجمات والغزوات خلال السنوات العشر فقط من الهجرة إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أولها غزوة الأبواء، وآخرها غزوة تبوك، وهذا يدل على مدى ما بذله الرسول صلى الله عليه وسلم من جهد في خدمة الإسلام.

لمحة موجزة عن الخلافات حول عدد الغزوات والسرايا:

والسبب في اختلاف عدد الغزوات والسرايا أن بعض العلماء عدّ الغزوات العديدة غزوة واحدة لأنها وقعت في سفر واحد، وبعضهم عد كل غزوة على حدة، وهناك مبررات أخرى ولكننا نكتفي بهذه النقطة فحسب.

 

الغزوة الأولى: غزوة أبوا/ ودان

“الأَبْوَاء” أو “وَدَان” اسما منطقة، وهي أول غزوة شارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم مع نحو سبعين من أصحابه المهاجرين، وكانت هذه الغزوة في صفر من السنة الثانية للهجرة، ولكن لم تقع معركة، وكان الهدف هو الهجوم على قافلة قريش التي كانت تتجه من الشام نحو مكة، وكذلك قبيلة بني ضمرة. تقدم الجيش الإسلامي إلى منطقة ودان، ولكن القافلة انفلتت وأصبحت بعيدة المنال، وقررت قبيلة بني ضمرة أيضًا عدم القتال وعقدت الصلح مع المسلمين، وكانت شروط هذا الصلح على النحو التالي:

 

1. لن تقاتل قبيلة بني ضمرة المسلمين.

 

2. لن يساعدوا أعداء المسلمين.

3. إن يساعدوا المسلمين إذا لزم الأمر.

4. ما دامت بنو ضمرة ملتزمين بوعدهم فإن المسلمين سوف يدعمونهم، أما إذا نقضوا وعدهم فإن المسلمين سوف يتوقفون عن دعمهم.

كان المشاركون في هذه الغزوة خارجين عن المدينة المنوّرة لمدة خمسة عشر يوماً، وفي غياب النبي صلى الله عليه وسلم كان سعد بن أبي عبادة رضي الله عنه يتولّى إدارة شؤون الحكم في المدينة.

 

الدروس المستفادة من هذه الغزوة:

الف: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم واعظاً بالقرآن والشريعة على المنبر فحسب، بل كان أيضاً قائداً عالماً في ميدان الجهاد، وعالماً عاماً بالخطط العسكرية، وقد تمكن من ساحة المعركة بطريقة كانت تؤدي دائما إلى نتيجة إيجابية، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الموجودة والقادمة.

ولما كانت قبيلة بني ضمرة تقع على الطريق الاستراتيجي بين مكة والمدينة، وكان من الممكن لقريش أن تستغل هذا الموقع، فقد صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على الشروط المذكورة حتى لا تنحاز بنو ضمرة إلى قريش في الحروب المستقبلية.

ب: ويستفاد أيضا من سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذها الغزوة جواز الصلح مع الكفار أيضاً، فكل اتفاق سياسي يراه الحاكم المسلم في مصلحة المسلمين، ويمكن أن يدرء الأخطار والتهديدات العالقة أو القادمة جائز شرعا، وقد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم هذا النهج في كثير من الأحوال.

ولكن في أي معاهدة سياسية يجب أن يكون موقف المسلمين واضحا، ويجب أن تؤخذ المصالح المشتركة لجميع المسلمين بعين الاعتبار.

ابو صارم
Exit mobile version