الخلافة العثمانية عبر التاريخ! الجزء الثامن عشر

حارث عبيدة

ألقي القبض على عدد كبير من القادة الفرنسيين ذوي الرتب العالية، وكان اسم “دينفر” على رأس القائمة. أطلق السلطان بايزيد سراحهم جميعًا مقابل الفدية، وتم إطلاق سراح دينفر أيضًا. وكان قد أقسم ألا يعود للقتال مرة أخرى، لكن بايزيد قال له: “سأسمح لك، إذا كنت ترغب في المجيء إلى ساحة المعركة ضدي مرة أخرى، فتفضل، لأنه لا يوجد شيء أحب إلي من قتال جميع النصارى في أوروبا والانتصار عليهم”.

بقي ملك المجر؛ وكان كبرياؤه عالياً وكان واثقاً بقوة جيشه حتى أنه قال: “إذا سقطت السماء علينا فسوف نمنعها بسيوفهم!” فهرب هو الآخر برفقة قائد فرسان رودس، ولما وصلا إلى شواطئ البحر الأسود ورأيا سفنًا نصرانية قد أرست، نزلا منها وصعدا إلى إحدى السفن ولاذا بالفرار.

تراجعت مكانة وأهمية الملك المجري أمام المجتمع الأوروبي بعد معركة نيكوبوليس؛ لقد زالت الرهبة والخوف، وترك هذا النصر العظيم أثراً عميقاً في قلب بايزيد، حتى أن العالم الإسلامي الأوروبي قرع طبول النصر، وأرسل بايزيد ممثلين إلى حكام المسلمين في الشرق وأبلغهم خبر النصر على النصارى.

عندما وصل ممثلو بايزيد إلى بلاط ملوك المسلمين، أحضروا معهم أيضًا أسرى من النصارى وقدموهم هدايا للملوك، وكان هذا دليلاً على أن بايزيد حقق انتصارات عظيمة على أوروبا، واتخذ بايزيد لقب “سلطان الروم”، وهو ما كان دلالة على خلافته للدولة السلجوقية وكونه حاكماً لشبه جزيرة الأناضول.

ذهب بايزيد إلى الخليفة العباسي في القاهرة وطلب منه الاعتراف بلقبه؛ لأن الأراضي التي كانت في حوزة أسلافه أصبحت الآن تحت حكمه قانونياً وشرعياً وسياسياً. مما زاد من هيبة وعظمة العالم الإسلامي. قبل السلطان برقوق حامي الخلافة العباسية هذا الطلب؛ لأنه كان يعلم أن بايزيد هو حليفه الوحيد الذي يستطيع أن يسانده ضد تيمور لنغ، تلك الدولة التي كانت تتقدم ضد الحكومة العثمانية؛ هاجر آلاف المسلمين إلى الأناضول بعد أن رأوا الأوضاع، وأراد هؤلاء الناس خدمة الحكومة العثمانية، وكانت هناك طبقات مختلفة بين المهاجرين، وكان بعضهم حريصين حقاً على محاربة الصليبيين، وكان آخرون يرغبون في تقديم خدمات علمية واقتصادية لهذه الإمبراطورية الشاسعة، كما قدموا من قبل خدمات اقتصادية وعلمية وسياسية في العراق وإيران وبلاد ما وراء النهر، وفي الوقت نفسه، كان البعض يبحثون عن ملاذ آمن في آسيا الوسطى، خوفًا من هجمات تيمور.

حصار القسطنطينية

قبل معركة نيكوبوليس أجبر الضغط الشديد الذي مارسه بايزيد على الإمبراطورية البيزنطية الحكومة البيزنطية على تعيين قاضٍ للتعامل مع شؤون المسلمين في القسطنطينية، وبعد فترة وجيزة، حوصرت العاصمة البيزنطية، ووافق الإمبراطور على بناء 700 منزل للمساجد والأخوة الإسلامية داخل المدينة، وبالإضافة إلى ذلك، تنازلت أهالي المنطقة عن نصف أراضيهم لبايزيد لصالح بقية القوات العثمانية التي بلغ عددها الآلاف.

فرض بايزيد ضريبة محددة على الحكومة البيزنطية، كما فرض ضرائب على كروم العنب وحقول الخضراوات حول المدينة لملء الخزانة العثمانية، كما منح الإذن بإذاعة الأذان في العاصمة البيزنطية.

بعد النصر الكبير في نيكوبوليس، تجمعت القوات العثمانية في البلقان، وانتشر الرعب في جميع أنحاء المنطقة، واستسلمت البوسنة وبلغاريا أيضًا للعثمانيين، كما قام الجيش العثماني بسد طريق الصليبيين لمنعهم من العودة إلى ساحة المعركة، فعاقب السلطان بايزيد حاكم جزيرة مورا بسبب دعمه للجيش الصليبي.

بدلاً من معاقبة الإمبراطورية البيزنطية، طلب بايزيد منهم تسليم القسطنطينية، وطلب الإمبراطور مانويل المساعدة من أوروبا لمواجهة بايزيد، لكن في الحقيقة كان الهجوم على القسطنطينية ذا أهمية كبيرة بالنسبة لبايزيد من حيث خطته الجهادية، وأخذ معه جيشًا كبيرًا وتقدم وحاصر العاصمة البيزنطية، وأصبح الحصار شديدا لدرجة أنه لم يتبق سوى لحظات كي تسقط المدينة، وكانت أوروبا تنتظر انهيار العاصمة القديمة، لكن السلطان ألغى الحصار؛ لأنه اضطر علی الاستعداد للتحرك نحو الشرق.

Exit mobile version