إستراتيجيّة داعش خراسان في التجنيد ودور المقاتلين الأجانب فيها!

نظام مهاجر

كان في سلسلة من الأحداث المهمة والمعقدة التي شهدها العقدان الأولان من القرن الحادي والعشرين، عام 2015

هو العام الذي واجهت فيه أفغانستان، وهي منطقة رئيسية وإستراتيجية في آسيا، ظهور عنصر غامض ومستورد يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لقد كانت حركة غامضة، ولم تكن لها منذ البداية أي صلة دينية أو فكرية أو عرقية بالشعب الأفغاني، وكان قادتها أعضاء من خارج المجتمع الأفغاني رفضتهم شعوبهم، وكانوا متطرفين يحملون الفكرة الخارجية.

رغم أن الجيل الأول من عناصر داعش في فرع خراسان كانوا قليلين ومحدودي العدد، إلا أنه في المراحل اللاحقة ومن خلال إستراتيجيات مختلفة، توسعت صفوف هذه الجماعة وزاد عددها.

لقد كانت إستراتيجيات ومخططات وأساليب التجنيد في صفوف داعش هي سر بقائهم واستمرارهم، والتي بمساعدة هذه الإستراتيجيات لا تزال جماعة داعش تعمل إلى يومنا هذا.

سوف نتناول في هذا التحليل جوانب مختلفة من عملية التجنيد التي تنتهجها هذه الجماعة، والإستراتيجيات الخادعة، والمفاهيم الخاطئة، والعوامل التي تدفع أعداداً كبيرة من الشباب إلى الانضمام إلى صفوف هذه الجماعة المجرمة ويضلون عن سواء السبيل.

في الأيام الأولى لتنظيم داعش خراسان، كان هيكلها البشري يتكون من جزأين. الجزء الأول من المتمردين من أفغانستان وإقليم بشتونخوا ووزيرستان الذين طردوا من المجتمع ومن صفوف المجاهدين، والذين كانت لديهم آراء متطرفة وخلفيات سيئة، وقد قام تنظيم داعش بتجنيد هؤلاء الأفراد في صفوفه، حيث وجد فيهم بديلاً مناسباً لأغراضه، حيث لعبوا دوراً رئيسياً في تأسيس فرع خراسان.

كان هؤلاء الأفراد هم الجيل الأول من تنظيم داعش-خراسان، الذين أنجبوا هذه المنظمة الخطيرة وسيئة السمعة في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان.

أما المجموعة الثانية، والتي كانت بمثابة الوقود لأنشطة فرع خراسان، فكانت أوسع وأكثر تنوّعاً من المجموعة الأولى، وشمل ذلك المهاجرين المتطرفين الأجانب المتواجدين بالفعل في وزيرستان وخيبر بختونخوا والذين جاءوا من مناطق أخرى من العالم، وكان هؤلاء من الشباب ذوي الأفكار المتطرفة الذين يحملون الفكرة الخارجية، وكانوا يعانون من اضطرابات نفسية و اختلالات عقلية مختلفة، ومن بينهم أولئك الذين كانوا متورطين بالفعل في جرائم مختلفة، وتنكرت لهم بلدانهم بسبب جرائمهم، وكانوا الآن يبحثون عن الزواج مجانا والحياة الرغيدة.

إن وجود هذه الفئات التعيسة ذات التوجه الإجرامي والتبرير الديني الذي قدمه لهم الفكر الخارجي المتطرف أدى إلى نهب منازل وممتلكات وأعراض عامة المسلمين في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش باسم الغنائم.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك بعض الشباب الذين لم يكونوا على دراية بالواقع البشع الذي يمثله تنظيم داعش، وتم خداعهم للاعتقاد بأن داعش تدافع حقًا عن الأمة الإسلامية، ويقوم بالعمل في بعض المهام المقدسة، وقادهم هذا الفكر إلى الانضمام إلى داعش خراسان، فجاءوا من أفغانستان وباكستان وبلاد أخرى للانضمام إليها.

بالإضافة إلى إنشاء فرع خراسان وتنظيم المقاتلين الأوائل، اعتمدت هذه المجموعة أيضًا على خطط تجنيدية أخرى، لا تزال تستخدم بعضها بمهارة إلى يومنا هذا، ارتكب تنظيم داعش

في المناطق الشرقية وأجزاء أخرى من البلاد جرائم شنيعة لا تغتفر في ظل تواجد قوات الاحتلال المتواجدة هناك، ونتيجة لهذه الفظائع وصلت الكراهية ضدهم في المجتمع إلى ذروتها، وانخفض معدل اندماجهم الطوعي في المجتمع الأفغاني إلى ما يقرب من الصفر.

كثفت أجهزة التجنيد والدعوة والدعاية في تنظيم داعش جهودها لتجنيد أعضاء جدد إلى صفوفها من خلال إستراتيجيات منسقة وذكية، وقاموا في الممارسة العملية

بنشر عناصرهم سراً في التدريبات والمؤسسات التعليمية والمعاهد الدينية والجامعات، وبمساعدة هؤلاء الأفراد، وبالمكر والخداع، سيطروا على عقول الشباب باستخدام موضوعات خلابة مثل التوحيد، والمطالبة بنظام إسلامي، ومظلومية الأمة، ونشر الفكر المتطرف الخارجي، ومحاولة تعزيز صفوفهم.

نجحت منظمة داعش خراسان في هذه العمليات أيضًا في تجنيد جيل جديد من العناصر، ولكن التناقضات العميقة بين أفعالهم وأقوالهم، وجرائمهم الشنيعة ضد المسلمين، وطرد أفرادهم ومجموعاتهم الدعوية من المؤسسات التعليمية والتدريبية، وجهت ضربة قاسية لحملتهم التجنيدية، وتآكل نفوذهم ومكانتهم إلى حد كبير.

إن تجنيد الأجانب ووجود مقاتلين أجانب في داعش خراسان يشكلان إستراتيجية خاصة أعطى التنظيم اهتماما خاصا بها منذ البداية، لكن مع ذلك وبعد فشل الاستراتيجيات المذكورة أعلاه وتراجع تأثيرها، أصبح تركيزها الرئيسي حالياً على التوظيف الأجنبي، وإن خبراء التجنيد والحرب النفسية في تنظيم داعش في خراسان ماهرون للغاية في استخدام وسائل مختلفة لاستهداف الأفراد الأجانب الذين قد ينضمون إلى داعش لسبب أو لآخر.

في هذا الصدد فإنها تستهدف بشكل خاص أولئك الأفراد الذين تعرضوا للقمع بسبب معتقداتهم الدينية من قبل الحكومات في بلدانهم أو الذين حرموا من حرياتهم الدينية، والذين يحملون أفكار الانتقام والتمرد، وفي بلدان آسيا الوسطى حيث نفذت الحكومات الاستعمارية والاستبدادية سياسات معادية للإسلام لعقود من الزمن، وتم استبعاد الإسلام بشكل منهجي من الحياة وأنظمة الحكم، بحيث يُحظر في هذه البلدان على الأجيال الجديدة من المسلمين اعتناق الإسلام قبل سن الثامنة عشرة، كما يعاني سكان هذه المناطق من فقر شديد، وكل هذه العوامل تدفع الشباب المسلمين إلى البحث عن طريق للخلاص والتحسن، ويستغل داعش هذا الوضع.

تصوّر داعش من خلال دعايتها نفسها بذكاء ومهارة شديدة كمدافعة قوية للمسلمين أمام هؤلاء الشباب، ومن خلال إظهار القوة المزيفة، يتم إعطاء الانطباع بأنها قادرة على استعادة عزة وكرامة المسلمين المضطهدين، وإنها تجعل الشباب يشعرون بأن الانضمام إلى داعش هو وسيلة سهلة ومؤثرة لتحقيق حريتهم وقوتهم واستقلاليتهم.

بعد ذلك يقومون بتحديد الشباب الذين تأثروا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من الوسائل، ثم يتواصلون معهم، عندما يقتنعون بأن فردًا ما قد تأثر عقليًا بأفكارهم، فإنهم يدعونه إلى مراكز نشاطهم، وهناك يخضعون لمزيد من التدريب الفكري لبعض الوقت، ويستخدمون المصطلحات الإسلامية والمفاهيم الدينية الحسنة لاستعباد هؤلاء الشباب عقلياً وفكرياً، بحيث يقضون في فكرتهم على قوة التمييز بين الخير والشر، والصديق والعدو تماما، ويحولونه بالكامل إلى قاتل أعمى، ثم يستخدمونه في جرائمهم الوحشية الظالمة، ويستخدمونهم في سفك دماء المسلمين، ويحاولون تحريضهم على ارتكاب كل أنواع الجرائم تحت ستار الدعاية الكاذبة والمضللة.

Exit mobile version