الجماعة التي تُعرف باسم داعش هي واحدة من أكثر الجماعات تطرفًا وعنفًا، وقد نشأت من رحم أزمات واضطرابات الشرق الأوسط. ظهرت هذه الجماعة لأول مرة في العراق، مستغلة ضعف الحكومة المركزية، والفراغ السياسي، والصراعات المذهبية والعرقية، لتتوسع بسرعة وتسيطر على مناطق واسعة.
لكن طموحاتها لم تقتصر على العراق فقط؛ سرعان ما وسعت عملياتها إلى سوريا ومناطق أخرى، خاصة أفغانستان وآسيا الوسطى.
في أفغانستان، أدى ظهور داعش إلى تعقيد الوضع أكثر، حيث حاولت الجماعة استغلال الأوضاع الأمنية المتدهورة، والمشاكل الداخلية، والصراعات الإقليمية في ظل النظام الجمهوري وداعميه الأجانب لتثبيت وجودها. سعت داعش، من خلال أساليبها الوحشية مثل الهجمات الانتحارية والمجازر الجماعية، إلى إثبات وجودها، لكنها فشلت.
مع عودة إمارة أفغانستان الإسلامية إلى السلطة، تراجعت داعش بدلاً من التقدم؛ حيثما رفعت رأسها، سُحقت، وكل خطة وضعتها دُمرت، مما أجبرها على اللجوء إلى الدول المجاورة لمواصلة أنشطتها التخريبية بشكل متقطع لإرضاء داعميها.
ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) كان واحدًا من أكبر التحديات الأمنية والاجتماعية في العصر الحديث. في البداية، استغلت الجماعة الفجوات السياسية والمذهبية والاجتماعية في العراق لتعزيز قوتها، ثم حاولت توسيع نفوذها إلى أفغانستان بمساعدة أيادٍ استخباراتية خفية.
لكن داعش لم تدرك أن العوامل التي ساهمت في صعودها في العراق تختلف كثيرًا في أفغانستان، وأنها ستواجه هزيمة قاسية هناك. نذكر بعض النقاط ونقارنها مع الوضع في أفغانستان.
1- الاختلاف بين حكومات العراق وأفغانستان:
في العراق، كان الفراغ والضعف الحكومي السبب الرئيسي لتقدم داعش، بعد سقوط نظام البعث وإزاحة صدام حسين، أصبح الهيكل الحكومي هشًا، مع وجود خلافات سياسية شديدة وفساد واسع، مما سمح لداعش بالتغلغل بسهولة في مناطق مختلفة من العراق.
ضعف الحكومة العراقية كان واضحًا عندما سيطر داعش على مدينة الموصل في 2014، ولم تواجه مقاومة جدية من القوات الحكومية.
أما في أفغانستان، بعد سقوط النظام السابق وعودة إمارة أفغانستان الإسلامية إلى السلطة، تأسست حكومة مركزية قوية، وجهت البلاد نحو الوحدة وأطاحت بكل أعداء البلاد بما في ذلك داعش.
الإمارة الإسلامية، مستفيدة من خبرتها الطويلة في الحروب الشرسة، أثبتت قدرتها على السيطرة على المناطق المختلفة ولم تنقسم مثل الجماعات الأخرى.
2- الاختلاف في التركيب القومي والفكري بين البلدين:
في العراق، كانت هناك فجوات عميقة بين الشيعة والسنة، خاصة بعد الغزو الأمريكي، مما أثار استياء أهل السنة. استغلت داعش هذا الاستياء وقدمت نفسها كمدافع عن السنة.
على العكس، في أفغانستان لا توجد انقسامات مذهبية، حيث يشكل السنة المسلمون الأغلبية، وتُمنح الأقليات أيضًا حق الحرية الدينية. المجتمع الأفغاني قائم على الوحدة الإسلامية، مما منع داعش من التغلغل.
3- الاختلاف في الوصول إلى الموارد المالية:
حصلت داعش على موارد مالية كبيرة من خلال سيطرتها على النفط العراقي، حيث أن العراق من أكبر الدول المنتجة للنفط، واستخدمت داعش بيع النفط غير القانوني من المناطق التي سيطرت عليها مثل الموصل وكركوك بين عامي 2014 و2016 لجني الأموال.
لكن في أفغانستان، لم تجد داعش مصادر مالية كبيرة، وكان نقص الموارد المالية أحد أكبر التحديات التي واجهتها هناك.
4- الاختلاف في القوة الإعلامية بين البلدين:
نجحت داعش في العراق في جذب مؤيدين عالميين من خلال حملاتها الإعلامية الاحترافية، حيث استخدمت إنتاج الأفلام والمواد الإعلامية لجذب الناس. لكن في أفغانستان، ورغم بعض الترويج الإعلامي المأجور لداعش، كان الوصول الإعلامي للجماعة محدودًا للغاية.
بالمجمل، كانت قوة داعش في العراق نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية هناك، بينما في أفغانستان كانت الظروف مختلفة تمامًا. عداوة الإمارة الإسلامية لداعش، عدم وجود انقسامات دينية، والقيود المالية، كلها عوامل حالت دون توسع داعش في أفغانستان.