من صفحات التاريخ: الخلافة العثمانية! الجزء الرابع والأربعون

حارث عبیدة

عندما وصل الخبر إلى الشيخ شمس الدين رحمه الله بأن جزءًا كبيرًا من الجيش قد دُمر، وأن المعدات والوسائل دُمرت بالكامل، وأن الكفار داخل القلعة يتلقون الدعم من الإنجليز، ولا يوجد أي مؤشر على النصر، أرسل السلطان وزيره ولي الدين أحمد باشا إلى خيمة الشيخ آق شمس الدين طالبًا الحل. فأجاب الشيخ: «بالتأكيد سينصرنا الله جل جلاله بفضله وسيُفتح المدينة».

لم يهدأ السلطان بهذه الإجابة المختصرة، فأرسل وزيره مرة أخرى إلى خيمة الشيخ لطلب شرح أوسع. فكتب الشيخ في رسالة إلى تلميذه السلطان محمد الفاتح قال فيها:
«إذا أحزنك دمار السفن ولوم الناس لك، وإذا بدا أن الكفار منتصرون، فتذكر أن هذه قاعدة ثابتة: العبد يدبر والله جل جلاله يقرر، وفي كل الأحوال أمر الله حتمي. لقد دعونا الله تعالى، وتلونا القرآن الكريم، ثم رأينا حلمًا رفعنا الله فيه بكرمه، وهو بشرى لم نرَ مثلها من قبل».

عندما وصل هذا الكلام إلى الجنود والقادة، اطمأن الجميع، وقرر مجلس الحرب العثماني فورًا الاستمرار في القتال. ثم توجه السلطان محمد الفاتح بنفسه إلى خيمة الشيخ، وقبّل يده وقال: «علمني دعاءً أنال به الفتح.» علمه الشيخ دعاءً، فخرج السلطان وأمر بالهجوم العام.

كان السلطان يرغب أن يكون الشيخ شمس الدين ـ مرشده وأستاذه ـ بجانبه وقت الهجوم. أرسل رسله لكنه وجد أن الشيخ أمر بعدم دخول أحد إلى الخيمة. أعاد الحارس مبعوث السلطان. عندما عاد المبعوث وأخبر السلطان، انزعج كثيرًا وتوجه بنفسه إلى خيمة الشيخ. أوقفه الحارس وقال: «هذا أمر الشيخ.»
السلطان سحب سيفه ومزق ستار الخيمة ليُحدث فتحة صغيرة.
من خلال الفتحة رأى مشهدًا مدهشًا: كان الشيخ شمس الدين ساجدًا، عمامته قد انزلقت من رأسه، وشعره الأبيض متناثر على الأرض، وكانت نور ينبعث من رأسه ولحيته. رأى السلطان معلمه في تلك الحالة، ثم رفع الشيخ رأسه من السجود، وامتلأت عيناه بالدموع التي جرت على خديه كاللؤلؤ، وهو يطلب من رب العالمين النصر والعون.
عاد السلطان إلى خيمته ونظر إلى السور، وإذا بالجدار قد تم اختراقه، وجيش الإسلام يدخل القسطنطينية بسرعة. قال السلطان بفرح: «فرحي ليس بفتح هذه المدينة، وإنما بسعادة وجود أولياء مباركين كهؤلاء في زماني».

يقول العلامة الشوكاني رحمه الله في كتابه “البدر الطالع”: برزت بركة وفضل وكمال الشيخ شمس الدين، فقد قال للسلطان سابقًا: «سيُفتح القسطنطينية على يدك يومًا ما.»

عندما دخل الجيش العثماني المدينة بروح معنوية عالية، حضر الشيخ شمس الدين إلى السلطان ليذكره في تلك اللحظة الحساسة بالشريعة الإلهية، وينصحه في الأخلاق والحقوق وآداب الفاتحين كما يؤكد عليها الشرع الإسلامي.

Exit mobile version