باكستان: من الطموحات الإسلامية إلى الحقائق الاستبدادية!

شاهد أفغان

عندما نتأمل بعمق وعقلانية في النظام الحاكم في باكستان، نصطدم بتناقضٍ صارخ؛ فالدولة التي تأسست تحت شعار إقامة نظامٍ إسلامي، تحولت اليوم إلى رمزٍ للتناقض مع القيم الدينية والعقلانية.

فمن الناحية الدينية، كل حكومةٍ تدّعي الإسلام، يجب أن تقوم على أساس العدالة، والأمانة، ورعاية حقوق الناس.

يقول الله تعالى في سورة النساء، الآية 58:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾

لكنّ النظام الباكستاني، بانتهاكه الممنهج لهذا المبدأ الجوهري، لم يكتفِ بعدم حفظ الأمانة، بل تحوّل بنفسه إلى طاغيةٍ كبير يتغذّى كل يومٍ من دماء الشباب الباكستاني.

ومن الناحية العقلية، فإن المعيار الأهم لسلامة أي نظامٍ سياسي هو رضا الشعب وضمان حقوق المواطنين الأساسية.
إلا أن الإحصاءات والتقارير الدولية الموثوقة تشير إلى أن باكستان من بين الدول التي يعيش شعبها أعلى درجات السخط الشعبي.
فالفساد البنيوي، والتمييز الممنهج ضد الأقليات القومية والمذهبية، وسوء الإدارة الاقتصادية، جعلت حياة غالبية المواطنين مليئة بالمصاعب.

وعلى الصعيد الإقليمي، فإن سلوك هذا النظام لا يتعارض فقط مع القيم الدينية، بل أيضًا مع المبادئ العقلانية للعلاقات الدولية.
فبدل التعاون والتعايش السلمي مع الجيران، أدرجت السياسات العدائية ودعم الجماعات المتطرفة في أجندته.

وهذا في وقتٍ يحكم فيه العقل السليم بأن استقرار المنطقة وأمنها شرطٌ أساسي لتطور كل دولةٍ ونموّها.

أما الشعب الباكستاني، الذي سئم من هذا الواقع، فقد بدأ تدريجيًا في الوصول إلى وعيٍ سياسي متزايد.
وتشير الحركات الشعبية في بلوشستان، وخيبر بختونخوا، والسند، إلى أن المواطنين الباكستانيين باتوا يدركون جيدًا حقوقهم، ويطالبون بالتغيير.
وهم يعلمون أن الحكومة لا يمكن أن تُسمّى “إسلامية” حقًا إلا إذا تجاوزت الشعارات الدينية وطبّقت العدالة والشفافية والمساءلة عمليًا.

وفي المجال الثقافي والهوياتي، يبرز اليوم أزمةٌ عميقة.
فجيل الشباب الباكستاني، الذي يتفاعل مع العالم الخارجي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعيش ازدواجيةً بين القيم التقليدية التي يروّج لها النظام، وواقع العالم الحديث.
هذا التناقض الجيلي، مع غياب رؤيةٍ واضحةٍ للمستقبل، أدى إلى انتشار واسعٍ لحالة الإحباط واليأس بين الشباب.

ومن جهةٍ أخرى، فإن السياسات المفروضة في مجالي اللغة والثقافة، لم تؤدِّ إلى تحقيق الوحدة الوطنية، بل غذّت نار الخلافات القومية والمذهبية.
إنّ باكستان اليوم بحاجةٍ إلى إعادة تعريفٍ لهويتها الوطنية على أساس الاحترام للتنوع الثقافي والديني، لا على أساس فرض نماذج موحّدة جامدة وغير مرنة.

إن مستقبل باكستان مرهون بتجاوز هذا النظام الفاسد، وبناء دولةٍ تتوافق مع المعايير الدينية والعقلانية في آنٍ واحد؛ دولةٍ يكون فيها العدل، وكرامة الإنسان، والشفافية، والمساءلة أسسًا للحكم والإدارة.

وهذا التحول يتطلب وعيًا عامًا ومشاركةً فعّالةً من جميع المواطنين الباكستانيين، ليتمكنوا من الإمساك بمصيرهم بأيديهم، وبناء وطنٍ تُصان فيه كرامة الإنسان ويُحترم فيه العدل الاجتماعي للجميع.

Exit mobile version