٢. الرأي الثاني: الخروج لملاقاة العدوّ وعدم البقاء في المدينة.
كان هذا الرأي في الغالب من الصحابة الذين لم يشاركوا في غزوة بدر، وكانوا متحمسين لملاقاة العدو، والتسبب في هزيمته، ونيل الشهادة في سبيل الله.
وقد استند هذا الرأي إلى عدة أمور، منها:
الوفاء بالعهد:
الأنصار كانوا قد بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية على نصرته والدفاع عنه، فقالوا: من الأفضل أن نخرج من المدينة، حتى لا نخالف وعدنا.
حماية ديار الأنصار:
بعض المهاجرين رأوا أن من الواجب عليهم حماية مزارع ومساكن الأنصار، واعتبروا أنفسهم أولى بالدفاع عن المدينة، ولذلك أصرّوا على منع قريش من الاقتراب منها.
الحرص على الشهادة:
الصحابة الذين لم يشهدوا بدر كانوا شديدي الحماس، يريدون لقاء العدوّ، وتأديبه، أو نيل الشهادة في سبيل الله.
تفادي الحصار:
رأوا أن قريش لا ينبغي أن تُمنح فرصة لحصار المدينة، لأن الحصار قد يطول ويؤدي إلى تضييق الخناق على المسلمين، خاصة إذا أُغلقت كل طرق المدينة.
قبول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرأي:
ونتيجة لغلبة هذا الرأي، تنازل النبي صلى الله عليه وسلم عن رأيه بالبقاء داخل المدينة، وقرّر الخروج منها.
فأقام صلاة الجمعة، وخطب في الناس، وشجّعهم ورفع معنوياتهم، وقال: «النصر لنا إذا صبرنا وثبتنا». ثم أمرهم بالاستعداد للخروج.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته، فلبس سلاحه، وارتدى درعين، وخرج وفي يده سيفه. عند ذلك، قال سعد بن معاذ وأُسيد بن حضير للصحابة: لقد ألزمتم النبي بالخروج، فدعوا له حرية القرار الآن. فندم الصحابة على إلحاحهم، وقالوا للنبي: نفعل ما تراه مناسباً، ونبقى في المدينة إن أردت.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“ما كان لنبي إذا لبس لأمته – أي الدرع – أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه.”
عدد جيش المسلمين وبداية التحرك:
تهيأ الجيش للخروج، وكان عددهم ألف مقاتل، أي نحو ثلث عدد جيش المشركين. وكان معهم مئة فرس.
عيّن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم خليفة له في المدينة، ثم أذن للجيش بالتحرك. فتحرك الجيش شمالًا، وكان في مقدمته سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، يرتديان الدرع ويحملان السيوف، بجانب النبي صلى الله عليه وسلم.
اليهود الذين أرادوا القتال مع المسلمين:
وفي الطريق، رأى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة تسير على هامش الجيش، فسأل: من هؤلاء؟
قالوا: يهود يريدون القتال مع المسلمين ضد المشركين.
فقال: هل أسلموا؟
قالوا: لا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا أستعين بمشرك.”
وردّهم ولم يأذن لهم بالمشاركة.
إرجاع الصغار من الصحابة:
وعندما بلغ الجيش منطقة “شيخان”، بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعة صفوف الجيش، فردّ من كان صغير السن ولا يقدر على القتال، ومنهم:
عبد الله بن عمر، زيد بن ثابت، أسامة بن زيد،أُسيد بن ظهير، زيد بن أرقم،عرابة بن أوس،عمرو بن حزم،أبو سعيد الخدري،
زيد بن حارثة الأنصاري،سعد بن حبة، رضي الله عنهم جميعًا.
سُمرة بن جُندب ورافع بن خُديج:
سمح النبي صلى الله عليه وسلم فقط لاثنين من الفتيان بالانضمام، وهما: سُمرة بن جُندب، ورافع بن خُديج.
وكان رافع ماهرًا في الرمي، فسمح له النبي بالمشاركة.
فلما رأى سُمرة ذلك، قال: أنا أقوى من رافع، وأقدر على طرحه أرضًا، فاسمح لي كذلك.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تصارعوا لنرى من الأقوى.
فتصارعا، فغلب سُمرة رافعًا، فأذن له النبي بالمشاركة أيضًا.
