التحقيق التاريخي والفلسفي في ظاهرة “داعش”؛ من النظرية إلى التطبيق! الجزء السادس 

إحسان ساجدي

داعش واستخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة:

تحليل شامل للعلاقات الخفية مع الغرب وتأثيرها على العالم الإسلامي

تنظيم داعش التكفيري الخارجي، الذي ادّعى زيفًا أنه مدافع عن الإسلام، أصبح في الواقع أحد أبرز المستخدمين لأدوات الاتصال والتكنولوجيا الغربية الحديثة والمعقدة. هذا التناقض الصارخ يكشف عن حقائق مثيرة للقلق تحتاج إلى بحث عميق وشامل. وفيما يلي تحليلاً شاملاً لهذه الظاهرة وتأثيراتها الكارثية على الأمة الإسلامية.

في هذا العصر الذي أصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان، أظهر تنظيم داعش كيف يمكن استغلال التطور العلمي لأهداف خبيثة ومعادية للإنسانية. ورغم شعاراته المعادية للغرب وادعائه العودة إلى السلف الصالح، كان التنظيم عمليًا معتمدًا اعتمادًا كليًا على التكنولوجيا الحديثة. فقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، وإنستغرام من الأدوات الأساسية في حملته الدعائية.

وقد استخدموا برامج متطورة لإنتاج محتوى احترافي، بما في ذلك فيديوهات معدّلة وممنتجة بعناية، لتقديم صورة مشوّهة وعنيفة عن الإسلام. واللافت أن جودة إنتاجهم الإعلامي كانت على درجة عالية من الاحترافية جعلت بعض المحللين يشكّون في أن التنظيم تلقى دعمًا من مختصين إعلاميين غربيين. فقد تميزت فيديوهات داعش بتقنيات تصوير وإضاءة ومونتاج وصوت توازي المعايير السينمائية العالمية.

والغريب أن هذه الجماعة كانت، في الوقت ذاته، تمحو كل مظاهر الحداثة من المناطق التي سيطرت عليها، وتمنع السكان من استخدام كثير من أدوات التكنولوجيا. وعلى صعيد الاتصالات، استخدم داعش بشكل واسع تطبيقات مشفرة مثل تيليغرام وغيرها، وهي في الأساس منتجات لشركات غربية، وكانت هذه التطبيقات وسيلة أساسية لتنسيق عملياتهم اللاإنسانية.

المفارقة الملفتة أن داعش، كلما زادت شعاراته ضد الغرب، زاد اعتماده على منتجاته وخدماته. وتُظهر تقارير عديدة أن قادة داعش الكبار كانوا يستخدمون ألعابًا إلكترونية وتطبيقات دردشة مشفرة للتواصل مع عناصرهم حول العالم.

والأدهى من ذلك أن التنظيم كان يستخدم هذه التقنيات لنفسه، بينما يمنع العامة في مناطق سيطرته من استخدامها. هذا التناقض الواضح كشف كيف استغل الخوارج التكنولوجيا كأداة للهيمنة والإرهاب، لا كوسيلة للتقدم والنهوض. وقد فضح هذا السلوك النفاق المتجذر في طبيعة هذا التنظيم.

ومن جهة أخرى، أظهر تحليل مصادر تمويل داعش أن نسبة كبيرة من عائداتهم كانت تُخصص لشراء معدات اتصالية وعسكرية متطورة. فقد أنفقوا ملايين الدولارات على هذه المعدات من خلال تهريب النفط، وفرض الإتاوات، وبيع الآثار المنهوبة، في حين كان سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتهم يعانون من نقص شديد في الغذاء والدواء.

وقد كانت نتائج استخدام داعش للتكنولوجيا الحديثة مدمّرة جدًا على العالم الإسلامي. فقد استغلوا الفضاء السيبراني لتقديم صورة مشوّهة وعنيفة عن الإسلام، أثرت سلبيًا على صورة هذا الدين الإلهي في العالم. وقد انصرف كثير من الشباب الغربيين الذين كانت لديهم رغبة في التعرف على الإسلام، بعد رؤية الجرائم التي ارتكبها داعش، وأصابهم الاشمئزاز من الإسلام ذاته. فالمحتوى الذي قدّمه التنظيم باسم “النظام الإسلامي” كان مليئًا بالظلم، واللاعدالة، والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما أثار النفور بدلًا من القبول.

المقلق أيضًا أن القوى الغربية ظلت صامتة – بل متواطئة أحيانًا – تجاه استخدام داعش لهذه الأدوات التكنولوجية. فعلى الرغم من أن شركات التكنولوجيا الغربية كانت قادرة بسهولة على إغلاق حسابات التنظيم، إلا أنها كانت تتأخر في فعل ذلك عمدًا. ويعتقد بعض المحللين أن الدول الغربية سمحت لتنظيم داعش باستخدام هذه التكنولوجيا بشكل محسوب، لتوظيفه كأداة لتحقيق مصالحها السياسية في الشرق الأوسط.

إن تجربة داعش تحمل دروسًا كبيرة للعالم الإسلامي. فعلى المسلمين أن يكونوا واعين ومدركين كيف يمكن لأعداء الإسلام استغلال التكنولوجيا كأداة لضرب هذا الدين من الداخل. وليتعلّموا أن ليس كل من يرفع شعار الدين، هو ناصحٌ له، فربما كان أشد الناس طعنًا له من حيث لا يشعر العامة.

Exit mobile version