وهم الخلافة؛ من حلم السطة إلى حضیض الانهیار! الجزء الثامن

عزيز جلال

قوانين داعش؛ شريعة السيوف والقتل:

النظام القانوني الذي طبقته داعش في المناطق الخاضعة لسيطرتها كان مثالًا مخيفًا على تحريف المفاهيم الدينية واستخدامها كأداة للقمع المطلق. هذه المجموعة من القوانين التي قُدِّمت تحت اسم “الشريعة الإسلامية” كانت في الواقع مزيجًا منحرفًا من التفسيرات السطحية للنصوص الدينية والعنف المنظم، دون أي صلة حقيقية بالتعاليم الإسلامية.

قضاء داعش كان قائمًا على ثلاثة أعمدة: التفسير المتشدد لأحكام الحدود، توسيع نطاق الجرائم التي تفرض عقوبات قاسية، وإنكار أي حق في الدفاع عن النفس للمتهمين. لم يُصمَّم هذا النظام لبسط العدل بل لبث الرعب في نفوس الناس، وكان يواجه حتى أصغر أشكال المعارضة بأشد العقوبات.

المحاكم الميدانية المتطرفة لداعش، والتي غالبًا ما كانت تُعقد في الأماكن العامة، كانت استعراضًا مرعبًا لقوة التنظيم. القضاة المعينون ذاتيًا – وغالبًا ما كانوا أشخاصًا غير متعلمين ولكن متعصبين – أصدروا الأحكام في أقصر وقت ممكن، ونُفذت العقوبات على الفور. كان يُقطع يد السارق لمجرد ارتكابه سرقة صغيرة، وتُجلد النساء علنًا بتهم “سوء السلوك”، وأي تعبير عن المعارضة لسلطة داعش كان يُقابل بالإعدام.

هذه العقوبات المستوحاة من العصور الوسطى والتي نُفذت أمام الملأ لم يكن هدفها سوى خلق جو من الرعب، بينما كان قادة داعش أنفسهم نادرًا ما يلتزمون بهذه القوانين الصارمة، ويرتكبون الجرائم سرًا.

من بين جميع قوانين داعش الوحشية، كانت القواعد المتعلقة بالنساء والأقليات الدينية هي الأشد رعبًا. خُفِّضت مكانة النساء إلى مرتبة الكائنات من الدرجة الثانية دون أي حق في الاختيار، وفرض الحجاب الإجباري بقوة حتى أن النساء لم يجرؤن على النظر من نوافذ بيوتهن. كما فُرضت زيجات قسرية مع مقاتلي داعش على الفتيات القاصرات، ومورست العبودية الجنسية على نساء الإيزيديين والمسيحيين، إضافة إلى الحظر الكامل على تعليم النساء وعملهن، وكل ذلك كان جزءًا من هذه القوانين اللاإنسانية.

الأقليات الدينية كانت تُجبر على دفع ضرائب باهظة أو تُطرد بالكامل من قراها ومدنها. هذه السياسات المتطرفة المعادية للمرأة والعنصرية أظهرت الوجه الحقيقي لداعش كتنظيم متعصب وعنيف، رغم غطائه الديني.

كما أن التنظيم أنشأ شبكة واسعة من الاستخبارات والأمن لمراقبة تحركات الناس وأماكن إقامتهم، وكان يُعاقب بصرامة على أي انحراف بسيط عن الخطوط الحمراء التي رسمها. في هذا النظام الإرهابي، لم يكن هناك مكان لمفاهيم مثل العدالة أو الرحمة أو الإنصاف، بل كان الحكم للقوة والعنف وحدهما.

قوانين داعش لم تُصمم لتنظيم المجتمع، بل للقضاء على أي شكل محتمل من أشكال المقاومة. وقد كانت هذه المنظومة القانونية في النهاية أحد الأسباب الرئيسية لسقوط التنظيم، إذ عمقت كراهية الناس له ودَفعت السكان في المناطق التي سيطر عليها إلى مقاومته.

Exit mobile version