من صفحات التاريخ: الخلافة العثمانية! الجزء الثامن والثلاثون 

حارث عبیدة

أيها السلطان!

قبل كل شيء، اسمع رأيي ومطلبي، أعلنه لك بوضوح: من الضروري أن تكون قلوبنا كقلوب المجاهدين الأوائل. يجب أن نواصل هذه الحرب من دون تهاون أو غفلة، تمامًا كما بدأناها، وعلينا أن نُتمّها حتى النهاية. يجب أن نزيد من وتيرة هجماتنا، ونستغل كل موطن ضعف في صفوف العدو، ونهاجمهم بشجاعة. هذا كل ما يمكنني قوله، ولا أضيف عليه شيئًا.

عندما سمع السلطان محمد الفاتح هذه الكلمات، أضاء وجهه فرحًا، ونظر باتجاه القائد طرخان طالبًا رأيه، فأجابه القائد بهدوء:

«ما قاله زوغنوش باشا صحيح، أيها السلطان، وأنا أؤيده تمامًا».

بعدها، توجه السلطان بسؤاله إلى أستاذيه الشيخ شمس الدين آق ومولانا كوراني، اللذين كان يثق بهما ثقة كبيرة، فأيدا بدورهما رأي زوغنوش باشا، وقالا:

«واصل القتال، هذا أمر ضروري، وإذا شاء الله تعالى، فإن النصر قريب».

عند سماع ذلك، دبّ الحماس في أوصال الحاضرين، وشعر السلطان محمد الفاتح بفرح شديد، فأثنى على مشورتهما ودعائهما، وقال من أعماق قلبه:

«أي قوة هذه التي أمتلكها، ولم تكن فيمن سبقني من أجدادي وآبائي؟».

وافق العلماء على الاستمرار في القتال، وهو ما أسعد السلطان، لأنه كان صوتًا لترجمة آرائهم. وكان جميع الحاضرين متفقين على ضرورة مواصلة الحرب.

انتهى الاجتماع بتعليمات السلطان، ومرت الليلة بسرعة، وفي صباح اليوم التالي، تقرر شنّ الهجوم الكبير على المدينة، وكان لا بد من أن يكون الجيش في أعلى درجات الجاهزية للمعركة المقبلة.

السلطان محمد الفاتح أشرف بنفسه على الاستعدادات، وفي اليوم الثامن عشر من جمادى الأولى، الموافق لـ ٢٧ مايو، وجّه السلطان نصيحة إلى جنوده قال فيها:

«تذللوا بين يدي الله تعالى! طهروا قلوبكم من وساوس الشيطان وأفكاره! صلّوا وتعبدوا، وادعوا الله واقتربوا منه، لعل الله يمنّ علينا بالنصر».

انتشرت كلمات السلطان بين صفوف المسلمين، ثم بدأ بجولة تفقدية داخل المعسكر، راقب أوضاع الجيش، وجمع المعلومات الكاملة حول وضع قوات العدو المدافعة عن المدينة.

حدّد مواقع المدافع، وراجع جهوزية الجيش، وحرّضهم على بذل كل ما يملكون في سبيل الله، وضحى بالوسائل المادية لأجل النصر.

ثم أرسل رسالة جديدة إلى سكان منطقة غَلَطة يقول فيها:

«كما التزمتم الحياد حتى الآن، استمروا على موقفكم هذا. اثبتوا على الاتفاق الذي بيننا، وأما الخسائر التي لحقت بكم بسبب الحرب، فالمسلمون يضمنون تعويضها لكم».

وفي نفس اليوم، وعند المساء، أشعل الجيش العثماني تلالًا كبيرة من الحطب في الجهات الأربع من المعسكر، وتعالت صيحات التكبير التي دوّت في الأرجاء، حتى ظنّ الروم أن النار اشتعلت في معسكر العثمانيين.

لكنهم سرعان ما أدركوا أنها احتفالات النصر المبكر التي يقيمها الجيش العثماني قبل شنّ الهجوم، مما أدخل الرعب في قلوبهم وزادهم خوفًا واضطرابًا.

وفي اليوم التالي، ٢٨ مايو، استعد الجيش العثماني للهجوم الحاسم.

بدأت المدافع بإطلاق قذائفها باتجاه البيزنطيين، وكان السلطان على صهوة جواده، يشرف بنفسه على الهجوم ويوجّه التعليمات إلى كل فرقة.

وكان صوته يُسمع في كل مكان يقول:

«أيها المسلمون! هذه الحرب في سبيل رضا الله، نسأل الله أن يمنحكم النصر، قدّموا أرواحكم فداءً لله! وانشروا الجهاد إلى كل أطراف العالم».

Exit mobile version