جيش الظلام: التعريف بداعش! الجزء الثاني

زاهد جمال

هيكل قادة داعش وطريقة القيادة

بوصفها كيانًا شبه دولي، كان لجماعة داعش هيكل معقد، حيث كان يُختار قادتهم على أساس الولاء التام للنظريات التطرفية، ونشر الخوف، والقدرة على الإرهاب، بدلًا من الكفاءة الحقيقية. في هذه الجماعة، أعلن بعض القادة أنفسهم خلفاء للخلافة غير المعتمدة، وذلك بعدما أثبتوا أنفسهم من خلال ممارسة الإرهاب والقتل والنهب.

كان أبو بكر البغدادي، بشخصيته الغامضة وحياته السرية، تجسيدًا لقائد غامض يدّعي الخلافة، حيث كان يختبئ في الأنفاق، وانتحر عبر تفجير حزامه الناسف، كما فعل معظم خلفائه الذين نالوا مصيرًا سيئًا مماثلًا. يعكس تكرار هذه النماذج من القادة الذين يحصلون على السلطة بالعنف ويلاقون مصيرهم بالعنف أيضًا بنية مريضة في الجماعة، يتم فيها قياس الولاء بمقدار الظلم والقسوة.

كان هيكل قيادة داعش يعتمد على ثلاثة أعمدة رئيسية: المجلس الشرعي الذي يتخذ القرارات النظرية، والمجلس العسكري الذي يخطط لعمليات القتل والنهب، والمجلس الولائي الذي يدير المناطق المحتلة. ورغم ما تبدو عليه هذه البنية المنظمة، إلا أنها كانت في الحقيقة شبكة من الجماعات المنشقة، يعمل كل منها بشكل شبه مستقل، ويتحدون فقط من خلال الإرهاب والقتل والنهب.

كان القادة الإقليميون لداعش في العراق وسوريا وليبيا ومناطق أخرى غالبًا من مرتكبي الجرائم أو ضباط بعثيين سابقين استغلوا السخط القبلي والديني للوصول إلى السلطة. على سبيل المثال، في ذروة قوة داعش، كانت فروعه في أفريقيا وآسيا مثل بوكو حرام في نيجيريا وداعش خراسان في أفغانستان تعمل كعصابات مافيا تتاجر بهجرة الناس وتهريب المخدرات باسم الإسلام، على الرغم من دعواتها للولاء للخلافة.

كان نظام القيادة في داعش يستند إلى مبادئ متناقضة: مركزية عالية في اتخاذ القرارات الرئيسية، ونظام عملي لا مركزي في التنفيذ. من جهة، كان البغدادي وخلفاؤه مثل أبو إبراهيم القريشي وأبو الحسن الهاشمي يسيطرون على كل شيء حتى التفاصيل الصغيرة، مثل تصميم العلم أو طرق العقاب.

ومن جهة أخرى، كان يُسمح لمحاربي المناطق بالقيام بجميع أنواع الجرائم باسم الجهاد. هذا التناقض جعل داعش آلة عسكرية تتميز بالصلابة المركزية، لكنها في الوقت ذاته في حالة تفكك كامل، وهو ما أدى في النهاية إلى سقوطها.

رغم دعوى قادة داعش حكم الأمة الإسلامية، فقد فشلوا في توفير الخدمات الأساسية في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، مثل الماء والكهرباء، وكانت إقتصادياتهم تعتمد فقط على النهب والعبودية. واليوم، بعد انتهاء سيطرتهم على الأراضي، تحوّل هيكل قيادتهم إلى شبكة سرية يعتمد فيها القادة المجهولون، مثل أبو حفص الهاشمي، على القتل السري والإجراءات الإلكترونية بدلًا من السلطة الظاهرة.

ولكن أكبر درس من داعش هو أن الإرهاب والقيادة الغامضة، حتى وإن نجحا مؤقتًا، فإن فشلهما محتوم، لأن لا أحد مستعد لتحمّل تلك التضحيات التي لا يؤمن بها القادة أنفسهم.

Exit mobile version