وهم الخلافة؛ من حلم السلطنة إلى حضيض الانهيار ! الجزء الثاني

عزیز جلال

لماذا كان لجماعة داعش جاذبية؟ تحليل نفسي للارتباط بالخلافة

برز تنظيم داعش في بيئة الشرق الأوسط الممزقة بالحروب، والفوضى، وانعدام الأمن كقوة اجتذبت آلاف الأفراد من جميع أنحاء العالم. تكمن جذور هذه الجاذبية القاتلة في عوامل نفسية متعددة، نسجت خيوطها حول العقول الضعيفة كخيوط الحرير.

١-الحاجة إلى الهوية والمعنى:

كان البحث عن الهوية والمعنى العامل الأساسي وراء هذه الجاذبية. في عالم طغت عليه الحداثة وسلبت الكثيرين ارتباطاتهم التقليدية وشعورهم بالانتماء، وعد تنظيم داعش بالعودة إلى القيم الإسلامية الأصيلة. كان نداء استعادة الحكم الإسلامي ووهم الخلافة يلمع كالضوء في الظلام للشباب الحائرين في الغرب والشرق، الباحثين عن معنى. استغل التنظيم ببراعة شعور العجز لدى جيل يرى نفسه بلا مكان أو مهمشًا في المجتمع.

٢-سيكولوجية التطرف:

جذبت وعود التنظيم المبسطة العقول الضعيفة. قسمت داعش العالم إلى قسمين: إما معنا أو ضدنا. كان هذا السرد الثنائي البسيط مطمئنًا لمن سئموا من تعقيدات العالم الحديث. بدلًا من الأسئلة التي تتطلب إجابات في الحياة الحديثة، حصلوا على إجابات جاهزة ومطلقة.

٣-الكبرياء والقوة:

كان الكبرياء والقوة أيضًا عاملين مهمين. منح داعش أتباعه شعورًا بالانتماء إلى مجموعة مميزة. وهبت صورهم العسكرية وصور نجاحاتهم الظاهرية وهمًا بأنهم جزء من حركة ناجحة. بالنسبة للشباب الذين تعرضوا للازدراء في مجتمعاتهم، كانت هذه فرصة ليشعروا بأنهم أبطال عظماء.

٤-وسائل التواصل الاجتماعي:

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في هذه العملية. قامت دعايات داعش الاحترافية بتأطير العنف وإضفاء طابع درامي عليه. انتشرت هذه الصور كالفيروس في وسائل التواصل الاجتماعي، تلوث عقول الشباب الضعيف.

٥-علم النفس الجماعي:

لم يكن لعلم النفس الجماعي تأثير غير مباشر. عندما ينضم الكثيرون إلى حركة ما، فإن تلك الحركة تولد نوعًا من الشرعية بحد ذاتها. خلق داعش وهمًا بالانتماء إلى حركة عظيمة وتاريخية، من خلال عرض صور لآلاف المؤيدين في الساحات العامة.

لم تنبع جاذبية داعش من قوة التنظيم الشخصية، بل من نقاط ضعف المجتمع العالمي والأزمات النفسية للعصر الحالي. فهم التنظيم جيدًا كيف يستغل الجروح النفسية للإنسان الحديث ويحولها إلى سلاح لأهدافه الدنيئة.

٦-التعلق العاطفي واتباع الأحلام الوردية:

كان التعلق العاطفي واتباع الأحلام الوردية أيضًا من العوامل المهمة في القوة الجاذبة لداعش. قدم التنظيم شعارًا مثيرًا لـ “استعادة الأمة الإسلامية”، مما خلق لدى الأفراد شعورًا بالارتباط بحلم عظيم. كان هذا الشعور بـ “صناعة التاريخ” يحمل جاذبية لا يمكن إنكارها لهؤلاء الشباب الحالمين الباحثين عن هدف نبيل. اعتبروا أنفسهم جنودًا يبنون حضارة جديدة، لكنهم لم يدركوا أنهم أصبحوا مجرد أدوات عنف لا تعرف الرحمة.

٧-عملية الاستعباد الذهني التدريجي:

لعبت عملية الاستعباد الذهني التدريجي دورًا رئيسيًا في هذه الجاذبية. جذب داعش الأفراد بلطف في البداية من خلال تقنيات نفسية، ثم أقنعهم تدريجيًا بقبول العنف علنًا. أدت هذه العملية التدريجية، التي تسمى “سلم التطرف”، إلى تحول الأفراد من مشاهدين سلبيين إلى فاعلين عنيفين دون وعي.

العديد من الأفراد الذين انتهى بهم الأمر ليصبحوا قتلة لا يرحمون، كانوا في يوم من الأيام شبابًا عاديين يشاهدون مقاطع فيديو دعائية لداعش في مهاجع الطلاب أو المقاهي الغربية.

Exit mobile version