قتلُ العلماء عادةٌ راسخة في نهج النظام العسكري الباكستاني!

عبدالبصير عمري

العلماء هم أعمدة الأمة وورثة الأنبياء عليهم السلام، وهم روح الأمة وقلبها؛ فالأمة بلا علمائها كالجسد بلا روح. مكانة العلماء رفيعة، فهم الذين يبلّغون دين الله تعالى للناس، ويوقظون الشباب، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويُصلحون الأنظمة، ويرشدون المؤمنين إلى طريق النجاح في الدنيا والآخرة.

العلماء هم القادة الروحانيون للأمة، يجلسون على مقام الأنبياء ويقومون بوظائفهم. وقد أُمِرنا باتباعهم وتوقيرهم وإجلالهم، وجعلت الشريعة الإساءة إليهم أو النيل من حرمتهم— بأدنى عبارة—جريمة عظيمة.

وكما أنّ قتل المسلم العادي من أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك، قال تعالى:
﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء: 93
فكيف يكون حال من يقتل قادة الأمة الروحانيين؟!

الإمام النووي رحمه الله عدّ قتل العالم من أعظم الكبائر وقال:
«قتلُ العالمِ من أعظم الكبائر لأنه إطفاءٌ لنور الدين»
(شرح مسلم 16/45)

وقال تعالى فيمن يقتلون الأنبياء والدعاة إلى العدل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ آل عمران: 21

وفي الحديث عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال:
قلتُ: يا رسول الله، أيّ الناس أشد عذابًا يوم القيامة؟
قال: «رجلٌ قتل نبيًّا أو قتل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر»

فقتل العلماء جريمة عظيمة وسبب لعذاب أليم.

إن قتل العالِم ليس مجرد سفك دم، بل هو القضاء على ميراث النبوّة كلّه. وفي الأمم السابقة لما قتل بنو إسرائيل الأنبياء والعلماء، عاقبهم الله بالذل والفقر والمهانة، كما قال تعالى:
﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ…﴾ البقرة: 61

وفي عصرنا هذا صار قتل العلماء عادةً ثابتة لدى النظام العسكري الطاغوتي في باكستان. فاعتقال العلماء ظلمًا، وإهانتهم، ومنعهم من قول الحق، وهدم المدارس، ومداهمة المراكز العلمية… كلها جرائم مشينة جلبت لهم ذلّ الله وسخطه، كما أخبر القرآن.

منذ قيام باكستان عام 1947، وقع صدام كبير بين النظام العسكري وبين كبار العلماء:
مولانا شبير أحمد العثماني، مولانا سيد أبو الأعلى، مولانا عطاء الله شاه بخاري، مولانا سيد سليمان الندوي، مولانا ظفر أحمد الأنصاري، مولانا عبد الحميد بدايوني، مولانا مظفر أحمد العثماني، وجماعة كبيرة من علماء ديوبند.
رفع هؤلاء العلماء صوتهم لإقامة الشريعة ورفع الظلم، فواجههم النظام العسكري بالقمع والسجن والإعدام.

وفي عام 1971، حين ارتكب الجيش الباكستاني مجازر في بنغلادش، قتل فيها عددًا كبيرًا من العلماء والمفكرين والكتّاب.

كما اغتيل عدد كبير من العلماء اغتيالًا غامضًا على يد النظام العسكري، مثل:
مفتي نظام الدين شامزي، غازي عبد الرشيد، الشيخ حسن جان الشهيد، الشيخ عبد الغني، الشيخ نصيب خان وغيرهم…

وفي عام 2007 شهد العالم كله جريمة الهجوم على “لال مسجد” و“جامعة حفصه”، حيث استُشهد مئات العلماء والطلاب والحفّاظ والحافظات.

واليوم أيضًا يواجه النظام العسكري الباكستاني ثورة من العلماء بعد جرائمه، حتى إن كثيرًا من العلماء اضطروا لرفع السلاح دفاعًا عن أنفسهم.

ونعيد التأكيد في الختام إن قتل العلماء من أعظم الجرائم وأشدّ ألوان الوحشية، وهذا النظام الدجّالي ما يزال غارقًا في هذا الإثم العظيم.

Exit mobile version