القصاص دون محاكمة:
في الفكرة التي تتبناها داعش في معتقداتها، سيكون القصاص دون محاكمة أمراً شائعاً للغاية؛ لأنهم لا ينظرون إلى الأحكام على أساس العقلانية الدينية، بل يعتمدون على معتقداتهم الخاطئة وتفسيراتهم المشوهة للدين في النظر إلى العقوبات بتسرع.
إن أتباع حركة داعش يضعون العجلة في تنفيذ الأحكام كإستراتيجية قضائية لهم، لدرجة أنه لوحظ في العديد من القضايا أنهم يصدرون أحكاماً ويفرضون عقوبات دون أي دليل قاطع.
داعش، أو تلك الحركة المنحرفة ذات النوايا الخبيثة، جعلت إصدار الفتاوى الباطلة والتعجل في العقوبات على رأس أولوياتها في مدينتها الفاضلة المزعومة، لدرجة أنه لا توجد حركة أو جماعة أخرى بهذا القدر من البعد عن حجية الأحكام الدينية.
والآن، مع هذه الخلفية التي ذكرت عن هذه الحركة، سندرك جيداً إلى أي مدى سيكون عالم ما بعد داعش قائماً على العقلانية والالتزام بالنصوص الدينية.
إن العالم بدون داعش سيكون مباركاً للغاية ومزدانا بالأحكام والجماليات الإسلامية.
في عالم يطالب فيه أصغر فرد في الأسرة بدليل على الفعل الذي يرتكب بحقه، ويسعى إلى الاحتجاج بالحجة؛ في مثل هذا العالم لن يكون هناك مكان لداعش وحركاتها الطائشة.
إن عمليات القصاص والعقوبات التي نفذتها داعش خلال فترة حكمها على مناطق من سوريا والعراق، أظهرت للعالم أجمع أن هذه الجماعة وهذه الحركة لم تكن تسعى أبداً إلى خلق روح من الأمن في العالم، ولم يكن لديها أي مستند ديني لعملها، ولم تسعَ أبداً إلى ذلك.
إن العالم بدون داعش، في الحقيقة سيقوم على الدين وتعاليم الإسلام النقية؛ لأن العالم والناس متعطشون لحركة توصلهم إلى بر الأمان والسلام، وعالم خالٍ من حركات مثل داعش سيحتوي على هذه الظاهرة.
داعش والحركات التي تحمل أفكارها الشريرة في أذهانها ومعتقداتها، تحب عالماً غير آمن، العالم المزين بالأمن والسلام سيجعل طريقها مليئاً بالعقبات.
إن العالم يكون ممهداً لداعش عندما لا توجد فيه عقلانية وأحكام ثابتة، بل تتغير الأحكام وفقاً لرغباتها وتخدم أهدافها.
إن نظرة داعش إلى العالم تركز على أن رؤاهم يجب أن تكون هي الرؤى العليا، ولا يحق لأحد أن يطلب دليلاً على أفعالهم أو البحث عن حجة.
لقد تركت داعش في جميع تحركاتها التي سجلها التاريخ، تصوراً عن العقوبات دون سبب.
في العالم الذي تتخيله داعش، ستكون مثل هذه المحاكم كثيرة جداً، ومثل هذه العقوبات ستكون وفيرة.
في أفكار داعش الغريبة وأفكار أولئك الذين غرقوا في اتباع معتقداتهم، لا يوجد شيء اسمه ثوابت، ومثل السياسيين في العصر، يرسمون سياسة لأنفسهم في كل لحظة وكل مرحلة، ويعدلون لعبتهم لصالح الفائز في الميدان.
إن عدم وجود اعتقاد قاطع بالثوابت يدفع أي جماعة إلى الهاوية، وقد سجل التاريخ ذلك في أوراقه الذهبية وأظهره خالداً للعالم أجمع أنه إذا لم تكن لديك ثوابت تحملها معك في اتباع معتقداتك، والتي يمكنك من خلالها زيادة قوتك وتقوية إيمانك ومعتقداتك، فلن يكون أمامك طريق سوى الهزيمة والذل.
إن داعش في العالم الذي رسمته لنفسها، تعتبر العالم بدون أي ثوابت دينية أو مبادئ، وأنها مثل سياسيي العصر ومثل الميكافيليين (الفكر الذي يغير الاتجاه مع كل تغيير)، تتفق مع كل لون وشكل، ولا توجد نزاهة اجتماعية وسياسية في وجود أي من قادة وحاملي لواء هذا الفكر.
بناءً على ما سبق، فإن عالم ما بعد داعش سيكون أكثر جمالاً ومليئاً بالقوانين، وسيكون لكل إنسان، بحكم كونه إنساناً، ظروف معيشة أجمل وأفضل.
إن عالم ما بعد داعش سيحتوي على محاكم تبحث عن الأسباب، وتطلب أسباباً لإصدار أي حكم، وستصدر الأحكام على أساس هذه الأسباب.
في عالم ما بعد داعش، لن يعاقب أحد دون جريمة، ولن يحق لأي حاكم إصدار حكم يخالف ثوابت الدين.