ظلّ داعش الأسود في باكستان!

حارث

إنّ عمليات القتل الأخيرة لعدد من أبرز قادة وعناصر تنظيم داعش كشفت من جديد الوجه الخفيّ لنظام باكستان، وأظهرت بوضوح أنّ باكستان ليست صادقة في حربها ضد التنظيم، بل تحوّلت بنفسها إلى مأوى آمن وداعم رئيسي له.

ففي الوقت الذي تمكّن فيه الأمن التابع للإمارة الإسلامية في أفغانستان من القضاء على داعش واجتثاث معظم قادته، تؤكد التقارير أن بقايا التنظيم قد لجأت الآن إلى باكستان. وهناك يواصلون نشاطهم عبر ملاذات آمنة في وزيرستان وبلوشستان ومناطق أخرى من البلاد، بل ويخططون لشنّ عمليات تفجيرية ضد أفغانستان.

لقد اتّبع النظام الباكستاني منذ فترة طويلة سياسة مزدوجة تجاه تنظيم داعش؛ فمن جهة يقدّم نفسه للعالم على أنه دولة تكافح الإرهاب، ومن جهة أخرى يوفّر للتنظيم البيئة المناسبة لنشاطه، بل ويمنح عناصره الحماية. وتشير تقارير استخباراتية وميدانية عديدة إلى أن الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي للتنظيم يتمّ على الأراضي الباكستانية، بينما تغضّ المؤسسات الرسمية هناك الطرف عن ذلك.

تحاول إسلام آباد من خلال هذه السياسة الخادعة استخدام داعش كأداة لتحقيق أهدافها السياسية، وخاصة ضد أفغانستان. إلا أنّ هذه اللعبة الخطرة ليست إلا لعبًا بالنار، نارٍ ستصل إلى باكستان نفسها عاجلاً أم آجلاً. فقد أثبتت التجارب أن أي دولة ترعى داعش أو توفر له الملاذ لا يمكن أن تبقى في مأمن. فالتنظيم الذي يُستخدم اليوم ضد الآخرين، سيبحث غدًا عن ضرب مضيفيه.

في المقابل، استطاعت الإمارة الإسلامية في أفغانستان، بحزمها وحكمتها، أن تستأصل جذور داعش من أراضيها بالكامل. فقد نجحت قواتها الأمنية، عبر عمليات دقيقة ومركّزة في مختلف أنحاء البلاد، في القضاء على مراكز التنظيم، وهو نجاح يمكن أن يشكّل نموذجًا عمليًا لباكستان ولسائر دول المنطقة.

على النظام الباكستاني أن يدرك أن دعم داعش أو احتضانه لن يجلب له سوى مزيد من الفوضى الداخلية وانعدام الاستقرار وتراجع الثقة الإقليمية. كما يجب على المجتمع الدولي أن يعترف بأنّ مصدر نشاط داعش ليس في أفغانستان، بل في الأراضي الباكستانية.

وإن كانت إسلام آباد صادقة في رغبتها بتحقيق السلام والاستقرار، فعليها أن تتخلى عن سياستها المزدوجة، وأن تتعاون بجدية مع دول المنطقة من أجل القضاء التام على داعش. فدعم التنظيم ليس سوى جمعٍ للحطب لنارٍ ستمتدّ ألسنتها، عاجلًا أو آجلًا، إلى داخل باكستان نفسها.

Exit mobile version