الحاجة إلى التعليم الديني!

حسان مجاهد

يقول الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“طلب العلم فريضة على كل مسلم” (رواه ابن ماجه).
وقال أيضاً:
“تفقّهوا في الدين وعلِّموا، وتعلّموا الفرائض وعلِّموها، وتعلّموا القرآن وعلِّموه، فإني مقبوض، والعلم مرتفع، وستظهر الفتن، حتى يختلف الاثنان في فريضة ولا يجدان من يفصل بينهما” (مشکاة المصابيح، كتاب العلم).

لو أنّ إنساناً صعد ليلاً إلى مرتفع ونظر إلى البيوت، لرأى النور يملؤها والحياة تدب فيها، ثم تقع عيناه فجأة على بيت معتم لا ضياء فيه ولا نور؛ بيت يثير في القلب حزناً لأنه محروم من الجمال والإنارة.
وهذا المشهد نفسه يصدق على المجتمعات: بيوت عامرة بالعلم والدين والهدى، تتلألأ فيها مشاعل المعرفة، وأخرى غارقة في الظلمة، محرومة من نور الهداية، أسيرة الجهل.

إن غياب العلم من بيت واحد في المجتمع ليس مجرد نقص، بل هو نذير خطر يهدد الجميع، لأن ظلمة الجهل أخطر من كل ظلمة محسوسة.

لماذا الحاجة الشديدة إلى العلم الديني؟

يروي أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد يوماً على أحد مرتفعات المدينة فقال:
“هل ترون ما أرى؟”
قالوا: لا.
فقال:
“إني أرى الفتن تتساقط في بيوتكم كمواضع القطر” (مشکاة، ص 462).

هذه إشارة نبوية إلى الفتن الممتدة إلى يوم القيامة، وتنبيه إلى ضرورة اليقظة والتحصّن بالعلم؛ فالعلم وحده هو الحصن من الانحراف والضلال.

والفتنة ـ كما في اللغة العربية ـ كل ما يبتلي العقل والإيمان ويهدد الاستقامة، سواء جاء على هيئة أفكار باطلة أو شهوات مضلّة. ولا نجاة من الفتن إلا بالعلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا” (رواه مسلم).

نحن اليوم في زمنٍ تمثّلت فيه هذه الفتن بأوضح صورها؛ فكل شيء من حولنا يدفع نحو الشهوات أو الانحرافات الفكرية، ولا سبيل للثبات إلا بمعرفة الحلال والحرام وفهم الدين على بصيرة.

فالإنسان كما يحتاج إلى أسباب معيشته الدنيوية، فإنه أشد حاجة إلى العلم؛ لأن عبادة الله غاية خلقه، ولا تصحّ العبادة إلا على علم.

حين كان العلم سيّد الحياة

في الأزمنة الماضية كانت للعلم مكانة مهيبة؛ كان الناس يتركون تجارتهم إذا دخل عالم المدينة، ويجلسون بين يديه بالألوف، يحملون معهم الأقلام والدفاتر.
وكانت للعلوم الدينية أيام خاصة، وللدنيا أيام أخرى.
ولأجل حديث واحد أو مسألة واحدة كان الناس يقطعون الأسفار الطويلة، يتحملون المشاق والجوع، بل يبيع بعضهم ثوبه ليشتري به محبرة وورقاً.
فأثمر ذلك علماءَ ملأوا الدنيا نوراً، وكتباً عظيمة ألّفها أصحابها وهم في الأربعين من أعمارهم، فانتفع بها المسلمون والكفار على السواء.

أما اليوم…

فقد عمّ الجهل، وضعفت الصلة بالعلم، حتى أصبح كثير من المسلمين يجهلون أركان الدين وكيفية أدائها، وعمّت المخالفات الدينية في الأسواق، والبيوت، والمعاملات والمعاش.

وأصبح الناس خبراء في شؤون الدنيا، جُهّالاً في شؤون الآخرة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن الله يبغض كل عالم بالدنيا جاهل بالآخرة” (رواه ابن حبان).

الخلاصة

علينا أن ننقذ أبناءنا من الجهل؛ فالجهل أصل كل فساد، وكل انحراف، وكل فتنة. هو الباب الذي يدخل منه الشيطان إلى القلوب.

وفي تقرير نشرته مجلة تعمير حيات التابعة لمدرسة ندوة العلماء في لكنهو، جاء: أن نسبة المنهمكين في التعلم الديني من المسلمين اليوم لا تتجاوز 3 أو 4 بالمائة فقط!
وهذا الرقم لا ينسجم أبداً مع أمر الله: “لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ”.

وإذا كان 97% من الأمة غارقين في الأعمال الدنيوية، و3% فقط في العلم، فماذا يكون مصير أمة هذا حالها؟
أصلاح أم ضلال؟!

فلنُقبل على العلم، ولنعرف الحلال والحرام، ولنربِّ أولادنا على نور الدين؛
فإن جهلوا ضاعوا، وصاروا مسلمين في الأسماء فقط، بينما فكرهم ولباسهم وثقافتهم أقرب إلى غير المسلمين.
العلم هو سلاح الجيل القادم؛ إن لم يحمله، حمله عنه الشيطان وأعداء الدين.

Exit mobile version