النبي الرحيم؛ السيرة العطرة لرسول الله صلی الله علیه وسلم! الجزءُ الأول

جنيد

رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم متميزة وفريدة؛ لأنها رحمة عامة تشمل كل المخلوقات، من الإنس والجن والحيوانات والطيور وحتى الجمادات، وتتجاوز حدود المسلمين لتشمل الكافرين كذلك. ويزداد عَظَمةُ هذا البُعد حين نُلقي نظرة من زاوية الرحمة على المجتمع الذي عاش فيه الرسول عليه الصلاة والسلام؛ سواء في أرجاء الجزيرة العربية أو في سائر الممالك القائمة آنذاك، حتى ندرك عظمة ذلك النهج النبوي الذي تميّز بالرحمة واللطف في وسط بيئة قاسية.

وأنا على يقينٍ راسخ أنّه من آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، بل إلى قيام الساعة، لم يُحبَّ أحدٌ في التاريخ كما أُحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُعظّم ويُجلَّل كما عُظّم هو. وإنّ دراسة سيرته ضرورة لإصلاح الأرض ونشر الخير فيها. فقد كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً تُحتذى في كلّ شيء؛ قدوةً للفرد والجماعة، ومثالاً صغيراً وكبيراً للمجتمعات، ونموذجاً واضحاً لبناء الأمم.

لقد أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحولاً عظيماً في العالم، ولا شك أنّ دراسة أفعاله والبحث في سيرته ليس أمراً عبثياً، ولا ينبغي أن يكون فقط بدافع المحبة، بل هو واجب على كلّ مسلم يرجو النجاح في الدنيا والآخرة، وعلى كلّ من يريد لهذه الأمة أن تنال العزة والكرامة والريادة. بل حتى الكافر – حيثما كان – فهو محتاج إلى دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن لم يطّلع عليها، فكم من الخير سيُحرم؟! وإذا غفل الناس عن التدبّر في حياته الشريفة، فكم من كنوز العلم تضيع؟!

إنّ أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأعماله وتقريراته ميراثٌ عظيم لكلّ طالب حقّ، ولكلّ من يبحث عن الخير والصلاح في هذا العالم. فقد بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمة ممزقة، يسودها الظلم والباطل، وتكثر فيها الرذائل، ويتسلّط فيها المتكبرون والظالمون. فشرع – بصبر عجيب وتفكير عميق – في تغيير ذلك الواقع.

أمر بكلّ معروف ونهى عن كلّ منكر. أجل! لم تكن الطريق الذي سلكه مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بالصعوبات والأشواك. عارضه الكثيرون، وقاتله القريب والبعيد، حتى قومه وقفوا في وجهه، وأسرته حاربته. ومع ذلك لم تضعف عزيمته ولم يتراجع إصراره، فأسّس لأمته أساساً راسخاً، وترك منهجاً واضحاً وسبيلًا مستنيراً، يستطيع كل صادق يريد نهضة أمته أن يقتدي به.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك»

Exit mobile version