الترحيل القسري للمهاجرين؛ إهانة للكرامة الإنسانية!

حسان مجاهد

لقد سجّل القرآن الكريم وكتب التاريخ مواقف عديدة من الهجرة، قام بها المؤمنون والأنبياء، حين ضاقت بهم أوطانهم واشتدّ عليهم الأذى. فعندما بدأ كفار مكة في اضطهاد المسلمين، أمرهم رسول الله ﷺ بالهجرة إلى الحبشة، حيث استقبلهم ملكٌ نصرانيٌّ استقبالاً كريماً وأكرم وفادتهم.

وكذلك هاجر رسول الله ﷺ بنفسه ومعه أصحابه، فراراً بأنفسهم من بطش واضطهاد أعدائهم، وبحثاً عن وطن آمن يعبدون فيه ربهم بحرية. كما اضطرّ إبراهيم عليه السلام إلى مغادرة أرضه مهاجراً، وخرج موسى عليه السلام إلى مدين حين بدأ المصريون يسيئون التعامل معه

لقد أوصى القرآن الكريم المؤمنين بالوفاء بعهودهم تجاه المهاجرين والمستأمنين وأمر بحسن معاملتهم وحماية حقوقهم، وكلما هاجر الناس من بلد إلى آخر بحثا عن حياة آمنة بعيداً عن المشاكل والظلم والاضطهاد، فإن الإسلام يراعي حقوقهم، ويمكنهم في دار الهجرة أن يحافظوا على دينهم وأنفسهم وأموالهم وعرضهم، وأن يمارسوا أعمال الحياة الأساسية والتجارة والتعليم، ولا يُجبرون في الظروف القاسية على العودة إلى بلدهم الأصلي.

يُوصى المهاجرون بأن يعاملوا الناس معاملة حسنة ونافعة، وألا يؤذوا أحدا، وقد ضرب الأفغان لهذا السلوك المتميز أروع الأمثلة انطلاقاً من الأخوة الإسلامية، فلم يُؤذوا أحداً. وعندما يهاجر المسلمون إلى بلد آخر هرباً من بطش الكفار، فإن حبهم وارتباطهم بتلك المنطقة الجديدة، تنشأ بينهم وبين تلك الأرض وشائجُ محبةٍ وارتباطٍ وثيق، حتى يصعب عليهم فراقها والعودة إلى ديارهم القديمة.

لقد هاجر رسول الله ﷺ من مكة إلى المدينة، فلما فُتحت مكة وعاد إليها ظافراً، لم يتخذها موطناً من جديد، بل بقي في المدينة حتى وفاته ودُفن في ثراها، وفاءً لتلك الدار التي احتضنته واحتضنت دعوته.

وحين غزا المعتدون الدوليون أرض أفغانستان المظلومة بغير حق، اضطرّ ملايين الأفغان إلى الهجرة والنزوح نحو الجارة المسلمة باكستان، آملين أن يجدوا فيها الأمن والإخاء، وأن يقضوا فيها ما تبقى من حياتهم بكرامة. وهناك بدأوا من جديد؛ فعملوا، وبنوا، وأنعشوا التجارة، وأحيوا المدن والقرى، وجعلوا من الأرض القاحلة أرضاً خضراء عامرة بالحياة.

غير أنّ الدولة المضيفة، وبعد أن بلغت شيئاً من التقدم والاكتفاء، قابلت إحسانهم بالجحود، وبدأت – بدوافع المصلحة الضيقة – في طردهم قسراً، ومصادرة ممتلكاتهم، ومنعتهم حتى من أخذ أموالهم التي كسبوها بعرق جبينهم.

إنّ هذه الأفعال لا تستند إلى الإسلام بصلة، وهي صورة صارخة من صور الظلم الإنساني والإسلامي المرفوض، الذي لا يقبله دينٌ ولا ضمير.

Exit mobile version