تفكيك الدول الإسلامية: المهمة الحقيقية لدواعش هذا العصر!
من أخطر الظواهر التي واجهها العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، ظهور جماعة تُدعى بـ”داعش”، وهي جماعة متطرفة رفعت شعارات “الخلافة” و”وحدة المسلمين”، لكنها في الواقع لم تجلب سوى الخراب والفرقة والتفتيت لبلدان المسلمين.
من خلال تتبع مجريات الأحداث في الأعوام الماضية، يتضح جلياً أن “داعش”، سواء عن وعي أو غير وعي، قد خدمت أهداف أعداء الإسلام وساهمت بشكل فعّال في تدمير البنى السياسية والاجتماعية والمذهبية للدول الإسلامية.
لقد كانت الدول الغربية منذ سنوات طويلة تشعر بالخوف من وحدة المسلمين وعددهم وثرواتهم، لأنها تدرك تماماً أنه إذا توحّد المسلمون، فلن يمتلكوا فقط مصادر قوة هائلة، بل سيصبحون قوة مؤثرة ومستقلة في المعادلات الدولية.
من هذا المنطلق، تم إعداد مشروع معقد وعميق لتفكيك الدول الإسلامية، وكان لـ”دواعش الخوارج” الدور التنفيذي في هذا المشروع، حيث لعبوا دور الأداة التنفيذية له. ففي العراق، من خلال سيطرة داعش على مناطق ذات أغلبية سنية ورفع راية “الخلافة”، تم تعميق الشروخ القومية والمذهبية.
وكان من نتائج ذلك أن الأكراد اتجهوا نحو مزيد من الاستقلال شمالاً، والشيعة أسسوا كيانات سياسية مستقلة جنوباً، فيما وقع السنّة بين نار داعش والمليشيات. وهكذا، تم تحويل العراق إلى ثلاث مناطق منفصلة، كل منها تحت نفوذ قوة خارجية مختلفة.
أما في سوريا، فقد أدت سيطرة داعش على بعض المناطق إلى تقوية النظام المركزي بقيادة بشار الأسد، وإضعاف المعارضة، وتبرير تدخل القوى الأجنبية بذريعة “محاربة الإرهاب”.
وفي النتيجة، تم تقسيم سوريا فعلياً إلى عدة مناطق: بعضها بقي تحت سيطرة النظام، وبعضها الآخر بيد الأكراد، وأخرى بيد الفصائل الثورية، وأجزاء تحت النفوذ التركي والأمريكي، فيما دُمّرت المناطق التي كانت بيد داعش.
وفي ليبيا، بعد سقوط القذافي، استغلت داعش حالة الفوضى لتدخل البلاد وتؤسس قواعد لها في مدن مهمة كـ”سرت”، مما زاد من تعقيد المشهد وزاد من تفكك البلاد.
ليبيا، التي كانت تأمل بالوحدة والتقدم بعد الثورة، تمزقت إلى حكومات محلية ومليشيات مسلّحة، وداعش لعبت دوراً كبيراً في تسريع عملية التفكك من خلال زيادة الانقسامات وجذب الشباب الضائعين إلى صفوفها.
بقليل من التأمل، ندرك أن داعش كانت المنفذة الفعلية لخارطة “الشرق الأوسط الجديد” التي وضعتها قوى معادية للإسلام، والتي تهدف إلى تحويل الدول الإسلامية الكبرى إلى كيانات ضعيفة وصغيرة قائمة على أسس طائفية وقومية.
لقد مهّد دواعش الخوارج الطريق لتنفيذ هذه الخطة السامة من خلال إشعال الفتن الطائفية، وتدمير الحدود، وتسهيل التدخلات الأجنبية، مما أدى إلى إضعاف الكيان الإسلامي وفتح الباب أمام القوى الاستعمارية للسيطرة والنفوذ.
وعلى الرغم من أن داعش كانت ترفع شعار “الخلافة” و”وحدة الأمة”، إلا أنها عملياً وجهت أقسى ضربة لوحدة الأمة الإسلامية، وجعلت الدول التي كانت تأمل في الوحدة والاستقرار تواجه خطر التمزق الجغرافي، والفتن الطائفية، والانهيار الكامل.
وما يجب التأكيد عليه هو أن الأمة الإسلامية ينبغي أن تكون في قمة الوعي والحذر، وتدرك أن كل حركة تؤدي إلى الفُرقة والانقسام، حتى لو كانت تحت اسم الدين أو بشعارات براقة، فإنها في الحقيقة تخدم أعداء الإسلام ليس إلا.