التولي والموالاة (الولاء والبراء):
يسمي بعض كبار علماء السلفية إعانة المسلمين للكفار على المسلمين توليا، ويعتبرونها نوعاً خاصاً من الموالاة، ويعدونها سبباً أكيداً للكفر، بغض النظر عن سببها، ولكن أكثر المفسرين يفسرون التولي بالموالاة. قال الدكتور عبد العزيز بن محمد بن علي بن عبد اللطيف، أحد علماء السعودية، في كتابه “نواقض الإيمان العملية” المجلد الأول ص 114:
وهذا ما يسميه بعض العلماء بـ”التولي” ويجعلونه أخص من عموم الموالاة، كما هو عند بعض أئمة الدعوة السلفية في نجد، مع أن جمهوراً من المفسرين يفسرون التولي بالموالاة، فعلى سبيل المثال نذكر ما يلي: – يقول ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَاُولٰٓئِكَ هُمُ الظّٰلِمُوْنَ﴾ [التوبة، آية 23]: أي والاهم واتبعهم في أغراضهم.
ويقول ابن كثير عند تفسيره لقوله عز وجل: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوْا مِنَ الْاٰخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ اَصْحٰبِ الْقُبُورِ ١٣..﴾ [الممتحنة، آية 13]: ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في آخر هذه السورة، كما نهى عنها في أولها، فقال تعالى: ﴿يٰۤاَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَوَلَّوْا..﴾ فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء.
ويقول البيضاوي عند تفسيره لقوله سبحانه: ﴿وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَاِنَّهٗ مِنْهُمْ﴾ [المائدة، آية 51] ” أي من والاهم منكم، فإنه في جملتهم، وهذا للتشديد في وجوب مجانبتهم.
وما يؤكد أن التولي يكون بمعنى الموالاة، ما جاء في لغة العرب، فإن التولي والموالاة من مادة واحدة وهي: ولي بمعنى قرب، والولي: الناصر ضد العدو. (صـ 382)
ولذا فإن شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى- في عدة مواضع من تفسيره – يفسر معنى اتخاذ الكفار أولياء بمعنى جعلهم أنصاراً، وهو بمعنى توليهم.
تم الاستشهاد بالقواميس التالية في الحاشية:
انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس 6/141، وترتيب القاموس المحيط 4/658، والمصباح المنير ص 841، ومفردات الراغب ص 837، ومختار الصحاح للرازي ص 736، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي.
وبعد ذلك يكتب:
وإذا كان التولي بمعنى الموالاة، فكما أن موالاة الكفار ذات شعب متفاوتة، منها ما يخرج من الملة كالموالاة المطلقة لهم، ومنها ما دون ذلك فإن تولي الكفار مثل موالاتهم، فهناك التولي المطلق التام الذي يناقض الإيمان بالكلية، وهناك مراتب دون ذلك.
كما سبق تعريفه عند ابن عاشور عن التولي حيث يقول: “الّتي هِيَ الرّضى بِدِينِهِمْ وَالطَّعْنُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ”
وهناك من هو دون ذلك، أي يكون في بعض الأمور وليس في بعضها، مثلاً ليس في الإيمان، بل في أغراض دنيوية.
وكذلك التولي من الكفار كالموالاة، فهناك التولي الكامل والمطلق من الكفار (أي تولي في كل شيء حتى الإيمان)، وهو سبب ناقض للإيمان تماماً، وهناك مراتب أقل من ذلك.
ثم يقول:
ولذا يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ فَاُولٰٓئِكَ هُمُ الظّٰلِمُوْنَ ٩﴾ [الممتحنة، آية 9]: – ” وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ وما هو دونه.
ويقول عند تفسيره لقوله تعالى: – ﴿وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَاِنَّهٗ مِنْهُمْ﴾ [المائدة:51]: “إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم.
ويجب أن نتذكر أن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله من علماء السعودية المشهورين والمحترمين، وكانت له مكانة ومنزلة مماثلة لمكانة ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله في تلك الديار.
الملخّص: هذه مصطلحات، سواء سميت تولية أو موالاة، ولكن الغرض الحقيقي أن التولي والموالاة مع الكفار ليس كفراً مطلقاً، أما إذا كان تولية وموالاة كاملة، كمحبة دين الكفار، أو مساعدتهم حتى يظهروا على المسلمين، فهو كفر، ولكن إذا لم يكن ذلك بسبب فساد الإيمان وسوء العقيدة بل من أجل أغراض دنيوية، فهذه معصية وليس كفرا.
وهذا كما فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، وقد أجمع جميع السلف والمتأخرين على أن فعل حاطب رضي الله عنه هذا ليس مستبعدا، لأنه لم يكن مبنيا على فساد وانحراف عن الإيمان، وهو نفسه أكد على هذا لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري:
«وَاللهِ! مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ، يَدْفَعُ اللهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي».
والخلاصة أنني لم أتجسس ولم أساعد الكفار بسبب الكفر والردة، ولكن فقط لأنني أردت أن أقدم لهم معروفاً من أجل حماية عائلتي.
ولهذا السبب أجمعت الأمة على أن المسلم إذا لم يكن فيه انحراف في الإيمان فإنه لا يكون مرتدا بالتجسس على المسلمين، وقد ذكرنا أقوال ومواقف الإمام محمد (رحمه الله) والإمام الشافعي (رحمه الله) وغيرهم من السلف والخلف الذين قالوا إنه إذا لم يكن هناك انحراف عن الإيمان فإن تعاون المسلم وإعانته للكفار ليس كفرا مخرجا من الملة ولا ردة.