كان الشهيد السعيد سميع الله أنس (تقبله الله)، شابا ذو وجه حسن منير، ويتحلى بالأخلاق المحمدية؛ هو ابن محمد حنيف، وُلد في أسرة متدينة ومُحبّة للجهاد في قرية “خواجه سندآور بابا” بمنطقة سيد آباد، ولاية وردك، بتاريخ 15/5/1378 هـ.ش.
أنهى الشهيد أنس دراسته الابتدائية في المدرسة الثانوية “السيد عثمان” في قريته. تلقى الشهيد إلى جانب التعليم العصري
العلوم الشرعية حتى الصف الخامس على يد الشهيد الملا حمد الله عثمان (رحمه الله) في مدرسة “السيد نعمان بن ثابت”.
ووفقاً لما نقله أخوه الحاجي محمد عثمان؛ في تلك الفترة، بلغ ظلم وطغيان المحتلين والميليشيات المرتزقة التابعة لهم في ولاية وردك ذروته، وكانت أرض هذا الجزء من الأمة الإسلامية تحترق، والوحوش الغربية تبتلع كل شيء، وأصبحت عائلتنا هدفاً لهؤلاء المتوحشين؛ حيث استُشهد الملا حمد الله عثمان (خال الشهيد أنس) ومعه خمسة آخرون من رفاقه. أدت هذه الحادثة إلى أن يُغلق الشهيد أنس كتبه، وينضم إلى خنادق الجهاد الملتهبة بروح إيمانية وعزيمة جهادية في سن السادسة عشرة، وفي ربيع عامه الرابع والعشرين، أكرمه الله تعالى بهبة إلهية، فشرب كأس الشهادة، ونحسبه كذلك والله حسيبه.
قضى الشهيد سميع الله أنس حياته كلها في سبيل الجهاد والكفاح، وشارك بفعالية في تشكيلات المجاهدين المختلفة وفي ميادين متنوعة. وقاوم بشدة الأعداء الداخليين والخارجيين في ولايته، وحارب بشجاعة تامة “خوارج العصر” في ولاية جلال آباد. وفي بداية الفتح، انخرط في الخدمة العسكرية مع بقية المجاهدين في مستشفى “سردار محمد داوود خان” (المكون من أربعمائة سرير)، وتولى المسؤوليات الأمنية والحماية.
وعندما شنّ الدواعش المثيرون للفتنة، أعداء الإسلام والوطن، هجوماً على هذا المستشفى، قاتل الشهيد أنس بشراسة لحماية الناس ضد الخوارج وقاوم حتى آخر نفس، حتى أسلم روحه الطاهرة لبارئها ونال الشهادة، روحُه طيبة وذِكراه خالدة.
خاطرة من الأخ الحاج رفيع الله عثمان:
يقول أخ الشهيد أنس، الحاج رفيع الله عثمان:
كنتُ مسافراً، وقد مرّت ثلاثة أشهر على انضمام سميع الله إلى التشكيل الثاني في ولاية جلال آباد لمواجهة الدواعش المثيرين للفتنة، عندما وصلتنا فجأة أخبار استشهاد عدد من أصدقائنا وأبناء قريتنا. وإلى جانب ذلك، انتشرت إشاعة عن استشهاده؛ حيث قيل إن مراكزهم دُمّرت تحت وطأة هجوم العدو، وظلت أجسادهم تحت التراب.
اتصل بي أهل القرية وأخبروني أن سميع الله قد استُشهد وهو تحت التراب منذ عدة أيام. قررت العودة إلى المنزل والبحث عن طريقة لنقل الجثمان. وعندما وصلت إلى البيت، كنت أفكر حتى الليلة الخامسة في كيفية إحضاره.
لكن فجأة في إحدى الليالي، سُمع صوت “طَق طَق” على جدار إحدى غرف قلعتنا. كان هذا هو الرمز السري المتفق عليه بين أفراد عائلتنا والشهيد أنس وبقية المجاهدين. إذا نقر أحدهم على ذلك الجدار، كنا نتأكد أن أحد رجالنا يقف خلفه. ذهبت إلى الباب واستمعت، وصوت قال: “أنا أنس!”
فتحت الباب على عجل، فقال لي: “ يا حاج غُله (يا أخي)، من أين وجدْتني؟” وعانقنا بعضنا البعض. وفي اليوم التالي، عندما علم أهل القرية والأصدقاء، لم يصدق أحد أن أنس على قيد الحياة، واعتبر الجميع ذلك معجزة.
كان الشهيد أنس، المشهور بين رفاقه بالإخلاص والصدق وكتمان الأسرار، دائماً في طليعة المتقدمين. كان يقضي الليالي في زرع الألغام ويجلس نهاراً بشجاعة متربصاً بالعدو. وبعد انتصار وعودة الإمارة الإسلامية، خدم في نقاط مختلفة، وفي المرحلة الأخيرة، كان مشغولاً بالخدمة العسكرية في مستشفى سردار محمد داوود خان، حيث تجرع كأس الشهادة بتاريخ ۲۴ ربيع الأول ١٤٤٣.
