بعد الفتح، قام السلطان بأعمال كبيرة في بناء المدينة، فحصّن أسوارها وقلاعها أكثر، وجعلها عاصمته، وأطلق عليها اسم إسلامبول (مدينة الإسلام)، ثم تحوّل الاسم لاحقاً إلى إسطنبول وظلّت عاصمة تركيا لفترة من الزمن.
أثّر هذا النصر تأثيراً بالغاً في العالم المسيحي الغربي، حيث انتشرت مشاعر الخوف والإحباط في أوساط المسيحيين، وخافوا من الحملات العثمانية القادمة. حاول الشعراء والأدباء المسيحيون زرع الكراهية والبغضاء في قلوب النصارى ضد المسلمين، واجتمع القادة والملوك عدة مرات، وأكدوا لشعوبهم ضرورة نسيان خلافاتهم الداخلية وحروبهم والانشغال بمواجهة العثمانيين.
البابا نيكولاس الخامس تأثر بشدة بسقوط القسطنطينية، فكرّس كل وقته وجهده لتوحيد الدول الأوروبية بهدف شن حرب على المسلمين. وبقيادته عُقد مؤتمر في روما، أعلن المشاركون فيه أنهم سيخوضون هذه الحرب بكل إمكانياتهم، وكاد القرار أن يُنفذ، لكن البابا توفي فجأة في 25 مارس 1455م بعد أن أثقله ألم سقوط القسطنطينية.
الأمير فيليب (دوق بورغندي) تأثر هو الآخر بشدة، واشتعل غيرةً وغضباً، فحاول تحفيز الملوك المسيحيين على القتال ضد المسلمين، وانضم إليه عدد من المحاربين وفرسان النصرانية، واعتُبرت هذه الحرب بين النصارى حرب عقيدة مقدسة، واستعدت أوروبا كلها للقتال دفاعاً عن بلدانها.
كان البابا يقود هذه الحروب، لكن السلطان محمد الفاتح كان مطلعاً على تحركاتهم، يجمع المعلومات الدقيقة عنهم، ويخطط بعناية لتثبيت دولته وهزيمة أعدائه. كما أبدى حكام بعض المناطق النصرانية المجاورة للإمبراطورية العثمانية، مثل أماسيا وموره وطرابزون، مظاهر الفرح والتهنئة وأرسلوا وفودهم إلى إسطنبول لتهنئة السلطان بالفتح، وذلك لإخفاء عدائهم الحقيقي.
أما البابا الثاني، بيوس الثاني، فقد استخدم مهاراته اللغوية والسياسية لإحياء بذور الحقد الصليبي في قلوب القادة النصارى. وبدأت بعض الدول التخطيط لإزالة الدولة العثمانية، لكن حين حان وقت تجهيز الجيوش، اعتذرت بعض الدول بسبب مشاكلها الداخلية.
إنجلترا وفرنسا كانتا منهكتين من حرب المئة عام، فرفضتا المشاركة. بريطانيا كانت غارقة في صراعاتها الداخلية، إسبانيا منشغلة بالقضاء على مسلمي الأندلس، وبعض جمهوريات إيطاليا فضلت إقامة علاقات مع العثمانيين لتحقيق مصالحها الخاصة. ومع وفاة البابا، انهارت خطة الحملة الصليبية.
لم يبق سوى المجر التي حاربت الدولة العثمانية، لكنها سرعان ما عقدت معاهدة صداقة معها وأعلنت رغبتها في إقامة علاقات حسن جوار لتحقيق مصالحها.
وخلال وقت قصير، هزم العثمانيون مملكة المجر، وضمّوا صربيا واليونان وإفلاق والقرم والجزر الكبرى في الأرخبيل إلى إمبراطوريتهم، حيث باغت السلطان أعداءه بهجمات خاطفة عاقبهم من خلالها بشدة.