ظلّ الظلمات! الجزء الخامس

حارث مايار

في العالم المعاصر، لبناء نظام حكم شرعي هناك حاجة للامتثال للمبادئ والأُطر المعتمدة والمقبولة من الناس والمجتمع. حتى الأنظمة الإنسانية، التي تُعتبر غير كاملة من المنظور الإسلامي، تمتلك هيكلة منظمة ومنهجية لإدارة شؤون البلاد. تلك الحكومات تقوم على قوانين مقبولة، مؤسسات رقابية وأنظمة للمساءلة. بالمقابل، يقدم النظام الإسلامي، ذو الأصل الإلهي، أتمّ نموذج للحكم.

يقف الأساس النموذجي للحكم في الإسلام على حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أنشأ حضارة فريدة خلال ثلاثة وعشرين عاماً. استدام هذا النمط خلال خلافة الراشدين وبلغ ذروة الازدهار. من المزايا الأساسية لهذا النظام: العدالة الواسعة، الشورى والمجلس، محاسبة الحكام، احترام حقوق المواطنين، وتوفير الرفاه العام. كانت هذه الصفات سبب مفاجأة الأصحاب والخصوم على حد سواء.

لكنَّ داعش، بادّعائه الكاذب إعادة بناء الخلافة الإسلامية، قدّم في الواقع ظلّ حكم مظلم واستمرّ في ذلك. بسوء استخدام المفاهيم الدينية وتحريف التاريخ الإسلامي، حاولت هذه الجماعة إنشاء كيان باسم الدولة الإسلامية يفتقر حتى إلى أدنى خصائص النظام الحكومي الشرعي.

أسس النظام الحكومي المزيف لداعش، الذي قدموه كدولة إسلامية أو الخلافة، كان في الواقع قائمًا على ثلاثة أعمدة خطيرة: العنف المنظم والقسري، والتحريف المتعمد للمفاهيم الدينية، وإظهار المشروعية.

حاولت داعش أن تبدو شرعية من خلال إنشاء مؤسسات شبيهة بالمحاكم الإسلامية والشرطة. لكن عمليًا، كانت تلك المؤسسات تُستغل كأدوات لقمع المعارضين، لتحريف الإسلام، ولتبرير الجرائم. على سبيل المثال، أصدرت محاكم داعش المزعومة أحكامًا بالإعدام وعذّبت المعارضين من دون مراعاة حتى أبسط المعايير القضائية الإسلامية.

النظام الذي ادّعته داعش لم يكن فقط في تناقض مع معايير الحكم الدولية، بل لم يشبه أيضًا نظام خلافة الراشدين بأي شكل. بينما كانت خلافة الراشدين مبنية على العدالة والشورى وقبول الناس ومحاسبة الحاكم، جاء قادة داعش إلى السلطة عبر القوة والقهر، وكان همّهم الوحيد مصالحهم الخاصة ومصالح أسيادهم.

باسم إعادة إحياء الخلافة، كانت نية هذه الجماعة التكفيرية في الواقع تشويه الصورة المشرقة للدولة الإسلامية. لم يكن لنظام داعش أي شرعية دينية حقيقية، أو قبول شعبي، أو فعالية عملية. لم يكن هذا البناء حكومة حقيقية، بل كان كابوسًا خطيرًا هدفه خداع الشباب ودفعهم نحو أغراضٍ شريرة.

دراسة هذا النظام يُظهر كيف يمكن تشويه المفاهيم الدينية لأنشاء بنية ظالمة. بنية لا تضُر الإسلام فحسب، بل تُهدِّد أيضًا استقرار المنطقة والعالم. تُقدّم هذه المقالة إطارًا عامًا لمزيد من التحقيق في هذا النظام المناهض للإنسان في مقالات لاحقة، لتوضيح كيف أن هذا البناء غير القانوني والعديم الأساس واجه الفشل في نهاية المطاف.

Exit mobile version