داعش: دراسةٌ تاريخيةٌ وفلسفيةٌ من النظرية إلى التطبيق! الجزء السادس عشر

إحسان ساجدي

عندما ننظر إلى ظاهرة داعش نظرةً عميقة وشاملة، تتجلّى أمامنا حقيقة مُرّة؛ فهذه الجماعة التكفيرية الخارجة لم تكن حركةً إسلاميةً عفوية، بل كانت بنيةً سامةً قاتلة، صُمِّمت بدعمٍ من القوى الغربية لتشويه صورة الإسلام الحق.

ومنذ اللحظات الأولى لظهور هذه الجماعة التكفيرية، بدت بوضوح مؤشرات الدعم الغربي؛ إذ تعترف هيلاري كلينتون في مذكّراتها صراحةً بأن السياسات الأميركية الخاطئة والفاشلة في الشرق الأوسط مهّدت الطريق لظهور جماعات متطرّفة تكفيرية مثل داعش. وهذا الاعتراف يبيّن أن داعش لم تنشأ مصادفة، بل كانت ثمرة حسابات استعمارية دقيقة.

كان الهدف الجوهري من إنشاء جماعة داعش المتطرّفة واضحًا: تقديم صورة محرَّفة، قاسية ولا إنسانية عن الإسلام إلى العالم. فقد سعى قادة القوى الغربية، الذين يفتّشون عن مصالحهم ضمن مذاهب بشرية كالنزعة الإنسانية والليبرالية والنظام الرأسمالي، من خلال دعم هذه الجماعة الدموية العنيفة، إلى تصوير الإسلام في نظر العالم دينَ عنفٍ وإرهاب.

وللأسف، قامت داعش على أكمل وجه بما أراده مصمّموها؛ من الإعدامات العلنية، والاسترقاق الجنسي، والقتل الجماعي، وغيرها من الجرائم المروّعة، التي وصفتها وسائل الإعلام الغربية بأنها «ممارسات الدولة الإسلامية». في حين أن الإسلام الحقيقي هو دين الرحمة والعدل والكرامة الإنسانية، لا دين الوحشية والجريمة.

ولا يمكن تجاهل دور داعش في إضعاف العالم الإسلامي؛ فبإثارة الخلافات المذهبية، وشنّ الهجمات على جميع المكوّنات الإسلامية، ونشر العنف الديني، جسّدت داعش عمليًا الاستراتيجية الاستعمارية القديمة «فرّق تسُد». بينما يقول القرآن الكريم:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾،
كانت داعش، عبر زرع التفرّق بين المسلمين، تخدم الأهداف الاستعمارية الخبيثة.

كما أن الصمت المعبّر لداعش تجاه جرائم الكيان الصهيوني شكّل دليلًا آخر واضحًا على ارتباطها بالغرب؛ فبينما ادّعت الجهاد ضد «الكفر»، لم تُبدِ أيّ ردّ فعل إزاء ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من قتلٍ للفلسطينيين. وهذا التناقض الصارخ يثبت أن داعش لم تُنشأ لمواجهة الكفر والإلحاد، بل صُمِّمت لضرب العالم الإسلامي ذاته.

واليوم، وإن كانت داعش قد ضعفت ظاهريًا، فإن المشروع الغربي لتشويه الإسلام لا يزال مستمرًا. فعودة ظهور داعش والجماعات التكفيرية المشابهة في مناطق مختلفة يدلّ على أن الاستعمار ما يزال يستخدم هذه الأدوات الدمية لتحقيق مآربه.

إن واجبنا، ولا سيما واجب الشباب والطلبة، هو إبراز الصورة الحقيقية للإسلام — دين الرحمة والعدل والإنسانية والروحانية — إلى العالم، بالوعي والوحدة واليقظة، وألّا نسمح للمؤامرات الاستعمارية أن تُضعف الأمة الإسلامية مرةً أخرى. وقد أثبت التاريخ أن الحقيقة ستنتصر دائمًا، وأن الإسلام المحمدي الأصيل سيبقى ثابتًا خالدًا رغم كل هذه الدسائس والمؤامرات.

Exit mobile version