داعش؛ ساحة تجارب لجيوش العالم الكافر!
قدّمت جماعة داعش المنبوذة نفسها ظاهريًا كعدو للغرب ومدّعية لإقامة الخلافة الإسلامية، لكنها عمليًا تحولت إلى أداة تخدم المشاريع الغربية. ومن أهم الخدمات التي قدّمتها داعش لأعداء الإسلام أنها وفّرت ساحة قتال حقيقية، ساحة يمكن من خلالها للقوات الخاصة الغربية وشركات الأمن الخاصة أن تتعلم وتكتسب الخبرة وتطوّر قدراتها القتالية.
لا شك أن أحد المتطلبات الأساسية للجيوش، وخاصة القوات الخاصة، هو الخبرة القتالية العملية، وهي ليست شيئًا يمكن اكتسابه في ميادين التدريب الاصطناعية، بل فقط في ساحات خطرة وحقيقية. وقد استفاد الغرب من ساحة داعش لهذا الغرض بدلًا من استخدام جيوشه مباشرة.
خلال العمليات ضد داعش، تمكنت القوات الخاصة الأميركية والبريطانية وبعض الدول الأوروبية من تعزيز قدراتها في حرب المدن، والحروب غير النظامية، واستخدام الطائرات بدون طيار، وإدارة العمليات في بيئات عالية المخاطر.
معظم العمليات التي أعلنت في الإعلام تحت مسمى “مكافحة الإرهاب” كانت في الواقع ميادين لاختبار تكتيكات غربية جديدة. وبعبارة أخرى، لعبت داعش دور “عدو تدريبي”؛ عدو تكفّل العراق وسوريا ودول أخرى مظلومة بتكلفة محاربته، لكن الفائدة كانت تعزيز القدرات القتالية للقوات الغربية.
شركات الأمن الخاصة، التي تدير تدريب المرتزقة، كانت أكبر المستفيدين من وجود داعش. هذه الشركات احتاجت إلى إثبات أن قواتها قد جُرّبت في معارك حقيقية من أجل بيع خدماتها للحكومات والمؤسسات الدولية، وقد وفّرت داعش لها أفضل ساحة ممكنة.
تمكنت هذه الشركات من تدريب قواتها في ظروف حقيقية واستخدامها في حماية منشآت النفط، القوافل الدبلوماسية، العمليات الهجومية، وإدارة الفرق العسكرية الصغيرة، وكلها جرى اختبارها ميدانيًا في ساحة داعش. وأصبحت هذه الخبرات لاحقًا جزءًا من سجلها العملي الذي مكّنها من الفوز بعقود أمنية ضخمة عالميًا.
كما أصبحت داعش بمثابة “جامعة ميدانية” لهذه الشركات؛ حيث كان عنف داعش هو الأستاذ ومرتزقة الغرب هم الطلاب. وما كان يعني الموت والدمار لشعوب المنطقة، كان مصدر خبرة وأرباح اقتصادية لتلك الشركات.
جانب آخر من هذه التجربة كان تدريب المرتزقة المحترفين للمستقبل. كثير من المقاتلين الذين قاتلوا إلى جانب داعش أو تحت تأثير هذه الشركات جرى استقطابهم لاحقًا للعمل كمرتزقة في إفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.
هؤلاء المرتزقة الذين تعلموا المهارات القتالية والأسلحة المتطورة والتكتيكات الرئيسية في ساحات داعش، جرى استخدامهم لاحقًا في مشاريع غربية أخرى. وبذلك، لم تكن داعش تهديدًا مؤقتًا، بل مصنعًا لإنتاج المرتزقة الذين تخدم خبراتهم الغرب مباشرة.
كما أن وجود داعش وفّر ذريعة للغرب للبقاء العسكري الطويل في المنطقة. فكلما طالب الناس بانسحاب القوات المحتلة، كانت تُستخدم “خطر داعش” كحجة لتبرير البقاء. إضافة إلى ذلك، ازداد بيع الأسلحة للحكومات الإقليمية، حيث أبرمت صفقات بمليارات الدولارات بذريعة مواجهة تهديد داعش.
أما وسائل الإعلام الغربية فقد استغلت مشاهد عنف داعش لتغذية الخوف والرعب وتبرير السياسات الحربية لحكوماتها، فكانت داعش أداة عسكرية وإعلامية واقتصادية في آن واحد.
في النهاية، إذا تأملنا بدقة دور داعش في المنطقة، نجد أنها تحولت عمليًا إلى أداة بيد الغرب، وأهم خدمة قدمتها كانت توفير ساحة تدريب حقيقية للقوات الخاصة وشركات الأمن الخاصة. تلك الشركات التي أصبحت لاحقًا نقمة على حياة المسلمين في دول أخرى.
ما كان موتًا ودمارًا وتشريدًا لشعوب المسلمين، كان بالنسبة للغرب تعزيزًا للقدرات القتالية، وتدريبًا للمرتزقة، وتحضيرًا لقوات المستقبل. وهكذا، لم تكن داعش عدوًا للغرب، بل وسيلة لتعزيز قوته، وسيلة صُنعت من دماء ومعاناة الشعوب المظلومة، لكن حصادها جُمع في أيدي أعداء الإسلام.


















































