من جانب آخر، هل سُجل في التاريخ مثال لحكومة وطنية نالت السيادة الكاملة دون إرادة ودعم شعبها؟ إن السر الحقيقي وراء عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم يكمن في أنها كانت مطلب الشعب، ذلك الشعب الذي ضاق ذرعاً بشعارات الجمهورية، وقادتها المرتبطين بالخارج، وبداعميهم من قوات الاحتلال الأجنبي. لقد كان ينتظر الفرصة ليحظى بحكم إسلامي ينطلق من دينه وثقافته الوطنية.
لقد أراد قادة من أبناء هذه الأرض، أبناء الجوامع والزوايا، لا حملة جوازات السفر الأجنبية والمرتبطين بالغرب من “خبراء” و”متقاعدين” قضوا أعمارهم في خدمة الدول الأجنبية، ثم جاؤوا إلى أفغانستان بذريعة “الخدمة” بينما هدفهم الحقيقي كان النهب والفساد.
إن معظم حكومات العالم اليوم، والتي ترفع شعارات “الشرعية الشعبية” في المحافل الدولية، إنما تفعل ذلك لسدّ الفراغ الكبير الذي يكشف في حقيقته أنها أنظمة استبدادية وصلت إلى الحكم بدعم خارجي أو عبر مشاريع مرسومة، لذلك نجد أن المؤسسات الدولية ومجلس الأمن يتعاملون مع الإمارة الإسلامية بعقلية سلبية مماثلة، لأنها – على خلاف ما اعتادوا عليه – حركة نابعة من إراد الناس وتخالف مفاهيمهم الدبلوماسية المصطنعة.
كيف يمكن إنكار الدعم الشعبي والشرعية الوطنية وراء ما نشهده اليوم في أفغانستان من أمن واستقرار اجتماعي ومشاريع إعادة إعمار تُنفذ بميزانية وطنية؟ من الواضح أن هذا كله لم يكن ليتم دون سند شعبي ومشروعية حقيقية.
أما على مستوى العالم الإسلامي، فإن نجاح الإمارة الإسلامية قد كشف النقاب عن حقيقة مؤلمة، وهي أن معظم هذه الدول تدور في فلك أمريكا والغرب، ولم تجرؤ حتى الآن على اتخاذ خطوة واحدة نحو الاعتراف بالإمارة، لأنها تعيش في ظل خوف سياسي واقتصادي يمنعها من الخروج عن الطاعة، رغم قناعتها بأن النظام القائم في أفغانستان يمثل نموذجاً إسلامياً فريداً من حيث الأمن والدعم الشعبي والشرعية الوطنية.
لقد كان مطلب الشعب الأفغاني منذ أكثر من أربعين عاماً هو إنهاء الحرب وتحقيق السلام الشامل، وقد تحقق هذا المطلب بفضل الله على يد الإمارة الإسلامية. أما ازدواجية المعايير الدولية وانتهاك المبادئ التي وضعتها بنفسها، فلن تضر إلا سمعتها وتاريخها. فالشعب الأفغاني نال مراده، أما إذا كان “الاعتراف الدولي” يعني التفريط في السيادة الوطنية أو خضوع البلاد لتجارب سياسية وأمنية جديدة، فلعنة الله على مثل هذا “الاعتراف الدولي”.
نحن من نجني ثمار شرعيتنا الوطنية، وأهمها أننا نعيش بأمان من شرور القوى الدولية، وهذه بحد ذاتها نعمة عظيمة. أما الاعتراف الذي نالته بعض الأنظمة الإسلامية الأخرى، فإن لم يتحقق اليوم في حق الإمارة الإسلامية، فسيتحقق غداً، لأن الحقيقة تفرض نفسها، وقد تحقق جزء كبير منها فعلاً من خلال علاقات وتفاعلات سياسية مع أكثر من أربعين دولة في الجوار والمنطقة، وستتوسع هذه الدائرة أكثر فأكثر.
لقد تيقن جيران أفغانستان ودول المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية أن سياسة الإمارة الإسلامية الخارجية تقوم على التوازن، ومحورها الاقتصاد، وترتكز على التعاون الحقيقي وعدم التدخل. ولم تضر هذه الدول، بل ضمنت لها مصالحها الوطنية والدولية.
لذا يمكننا أن نقول بثقة إن أهم ما نحتاج إليه اليوم هو تعزيز وحدتنا الوطنية، والتمسك بالشرعية الوطنية التي منحها لنا شعبنا المؤمن بدينه ووطنه، هذا الشعب الذي يساند الإمارة الإسلامية بكل شجاعة في كل خطوة تتخذها. وبعبارة أخرى، إذا كان ثمن الاعتراف الدولي هو التفريط بالمصالحة الوطنية، والاستقرار، والمشروعية الشرعية، فلن يقبل عاقل يفهم تاريخ أفغانستان المعاصر وحقيقة صراعاتها بمثل هذه الصفقة السيئة.