في صباح يوم جمعة من شهر ميزان سنة 1357هـ ش (ما يوافق 1987م و1408هـ ق)، أبصر النور طفل في مديرية بجرام بولاية ننجرهار، كُتب له أن يتبوأ لاحقًا مكانة رفيعة بين صفوف كبار علماء الدين، ومربي الأجيال الجهادية، والمدافعين المخلصين عن الشريعة الإسلامية.
كان ذلك الطفل ابن العالم الجليل سعد الله، وحفيد الشيخين محمد وعبد المجيد آخوندزاده، ذاك الذي عُرف في العالم الإسلامي باسم «شيخ الإسلام الشهيد رحيم الله حقاني» رحمه الله، وشهد الناس بعلمه وزهده وجهاده وتقواه وإخلاصه.
• مرحلة الهجرة وطلب العلم
عقب الغزو السوفيتي، اضطر الشيخ حقاني كسائر الملايين إلى مغادرة وطنه، فشدّ رحاله في درب الهجرة والغربة، باحثًا عن العلوم الشرعية، فنال منها على أيدي كبار العلماء في مدارس عريقة مثل مدرسة الهجرة والجهاد، دار العلوم الإسلامية، فيض العلوم، دار العلوم الهاشمية ودار العلوم الفاروقية.
وفي المرحلة المتوسطة من طلبه للعلم، قصد عام 1997م جامعة نعمانية في تشارسدة، حيث تلقى العلم عن العلامة المحدث الشيخ إدريس رحمه الله.
• التخرج والدراسات العليا
بعد إتمامه للمرحلة المتوسطة، انتقل الشيخ رحيم الله حقاني رحمه الله إلى جامعة الحقانية ديوبند في نوشهره – أكوره ختك، هذا المركز العلمي الكبير الذي بذل فيه جهده الليلي والنهاري بصدق وعبادة ومحبة للعلم، حتى درس الكتب الحديثية المعتمدة، كـالصحاح الستة، وتخرج عام 1998م متوشحًا عمامة الإجازة في علم الحديث بكل شرف.
• تربية الأجيال والدعوة والتدريس
بعد نيل العلم، أقبل الشيخ الشهيد على التدريس في عدة مراكز أكاديمية، خرّج فيها آلاف الطلبة. ومن أبرزها الجماعة الصديقية التي كانت تُدار تحت إمرة أمير المؤمنين الراحل الملا محمد عمر مجاهد رحمه الله.
وفي هذا المركز أدى دوره بتفانٍ في تعليم الطلاب وتربيتهم، ونشر التعاليم الإسلامية، وتعزيز المدارس السنية والجماعية.
• ميادين الجهاد ومواجهة الانحرافات الفكرية
لم يقتصر جهاد شيخ الإسلام رحيم الله حقاني رحمه الله على ساحات المدارس فحسب، بل كان له حضور بارز في ميادين القتال كذلك، إذ تصدّى للاحتلال والانحراف والبدع والتطرف بجهاد قلمي وعسكري صادق.
وكان من أبرز محاور نشاطه الفكري محاربة التيارات المنحرفة كـالرافضة، والمودودية، والماموتية، والبريلوية، وتنظيم داعش، والإلحاد.
سعى عبر المناظرات والكتابات وغرس الوعي في طلبته إلى بث اليقظة الفكرية العميقة.
• أخلاقه وسمته الشخصي
مع علمه وجهاده، عُرف الشيخ رحمه الله بعلو أخلاقه، وطيب لسانه، ولين قلبه، وتواضعه مع الناس، حيث تجلت فيه خصال الصبر والوقار والتواضع والرحمة.
استُهدف مرارًا من أعداء الدين، وذاق ألوان التعذيب في سجن بلتشرخي، لكنه لم يتراجع عن دعوته وجهاده قط، بل ظل ثابتًا متمسكًا بدربه حتى آخر رمق.
• مؤلفاته العلمية
ترك الشيخ تقبله الله آثارًا علمية نفيسة ستظل معينًا لطلاب العلم في الأعوام القادمة، منها: القول المفيد في إثبات التقليد، فريدة الغواص، درس بيضاوي، أحسن الفرائد، قواعد المناظرة، عقد الليالي، أحكام الغنيمة، وغيرها من الرسائل والكتب التي تربو على عشرات.
• شهادته
بعد عقود من العطاء، نال الشيخ حقاني تقبله الله وسام الشهادة في يوم الخميس 20 من أسد 1401هـ ش، عند الساعة الثانية ظهرًا، في ساحة الجامعة المحمدية بمنطقة شش درك في كابل، وذلك أثناء قيامه بالتدريس، حين اغتاله خوارج داعش، فارتقى إلى أعلى عليين. وسيتحول دمه الطاهر وصمة عارٍ على جبين أولئك الخوارج الذين لا نصيب لهم من الدين ولا نصيب من العلم، ويخشون العلماء أكثر من أي أحد.
• داعش الخوارج؛ أعداء العلم واليقظة
إن جماعة داعش الخوارج، كسائر الجبهات المعادية للإسلام، تسعى لإطفاء نور العلم، فتتربص بدماء العلماء المخلصين الذين يوقظون الشباب من خلال التعليم والدعوة، ويرشدون جذوة الجهاد إلى الطريق الصحيح، ويصدّون الانحرافات.
واغتيال العلماء أمثال الشيخ حقاني شاهد على خوف هؤلاء من حقيقة الإسلام، إذ يعلمون أن العلماء الصادقين بكشفهم للحق يبعدون الشباب عن جهل الخوارج، ويقودون الأمة نحو الوحدة والبصيرة والتمسك بالشريعة.
لكنهم ربما نسوا أن استشهاد العلماء ليس نهاية نور العلم، بل يضيء الطريق أمام آلاف الشباب الآخرين، كلٌ منهم واقف بإرادة فولاذية أمام جبهات الباطل، كما ثبت الشهيد رحيم الله حقاني رحمه الله.
رحمه الله رحمة واسعة، وجعل الجنة مأواه، وثبّتنا الله على دربه.