الخلافة العثمانية عبر صفحات التاريخ! الجزء التاسع والعشرون

حارث عبيدة

كان السلطان محمد قد تولّى بعض الشؤون الدنيوية في حياة والده، وكان يشارك أحيانًا في الحروب ضد الإمبراطورية البيزنطية، وكان مطلعا على المساعي التي قام بها سلاطين الدولة العثمانية لفتح القسطنطينية، بل كان أيضًا مطّلعًا على الجهود التي بُذلت في مختلف العصور الإسلامية من أجل فتحها، لذلك لما تولى السلطة سنة (855هـ) الموافق لـ(1351م)، بدأ يفكر في فتح القسطنطينية.

إن تربيته على أيدي العلماء غرست في قلبه حب الإسلام والإيمان، والعمل بالقرآن والسنة، فكان يحب تطبيق الشريعة الإسلامية، وكان متحليا بصفة التقوى، وحبّ العلم والعلماء، وصفات سامية أخرى، وإن محبته الدينية كانت نتيجة تربيته وترعرعه الصالح، والتربية الصالحة كانت نتيجة اهتمام والديه به حيث اهتما به في صغره، وقد انعكست آثار أولئك العلماء الذين ربوه وعلموه على شخصيته بوضوح.

كان السلطان محمد الفاتح متأثرا بالعلماء منذ صغره، ولا سيما بالعالم الرباني الشهير أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي كان يعظّمه ويعترف بفضله وعلمه، ولقد كان الكوراني أستاذ السلطان محمد في عهد السلطان مراد الثاني، وكان محمد الفاتح الثاني آنذاك أميرًا على ولاية مغنيسيا، فأرسل والده عددًا من الأساتذة لتعليم ابنه، لكن لم يكن يطيعهم، فلم يتعلم منهم شيئًا.

حينئذٍ شعر السلطان مراد الثاني بالحاجة إلى معلّم حازم وحكيم لطفله، فأشار عليه البعض بالعلّامة مولانا الكوراني، فعهد إليه وعينه بتعليم ابنه، وأعطاه عصًا، وقال له: “إن عصى الأمير أوامرَك فاضربه بهذه العصا”.

عندما وصل مولانا الكوراني إلى مغنيسيا، دخل إلى غرفة الأمير حاملاً العصا، وخاطبه قائلًا: لقد أرسلني والدك لتعليمك، وأهداني هذه العصا لأستخدمها إن أنت لم تطع أوامري” فضحك الأمير محمد حين سمع ذلك، لكن الشيخ لم يتردد، بل أمسك بالعصا، وضربه في المجلس نفسه، فخاف الأمير، ولم يلبث إلا قليلًا حتى أتم القرآن الكريم.

Exit mobile version