أصول التعامل مع الكفار في النظام الإسلامي! الجزء الأول

بشير باران

تُكتب هذه المقالة في وقت يلاحظ فيه للأسف الشديد انخراط عدد من الدول الإسلامية في تعاملات مع الولايات المتحدة الأمريكية مبنية بشكل رئيسي على المصالح الاقتصادية، وبحث للحصول على أسلحة متطورة تقدر بمليارات الدولارات لتجهيز جيوشها.

يلاحظ هذا الانخراط في الوقت الذي تئن فيه غزة تحت وطأة الغارات الإسرائيلية الوحشية باستخدام نفس الأسلحة والمعدات الجديدة التي قدمتها نفس هذه البلدان.

إن تعامل النظام الإسلامي مع الدول الكافرة أمر ضروري في النظام الإسلامي، لكن تحقيق هذه الضرورة لا ينبغي أن يضر بأي حال من الأحوال بالمكانة الدينية والصورة الإسلامية للنظام، ولا ينبغي أن يغفل عن توازن المصالح ورضا الشعب المسلم.

حينما يجري هناك حديث عن تعامل النظام الإسلامي مع الدول الكافرة؛ من الضروري في البداية أن ندرس بشكل جدي مبادئ وأسس السياسة الخارجية وتاريخ الإسلام، فالاتباع الأعمى لمسار الاتفاقيات والمعاهدات الدولية أو الغربية لن يجلب للأمة سوى التحرك نحو الإذلال والعبودية، لذلك، فإن النقاط الثلاث التالية ضرورية للغاية في التعامل مع الكفار:

1- الحفاظ على القيم الإسلامية والكرامة:

إن حماية شرف ومبادئ الإسلام والقيم الإسلامية قضية مهمة وجوهرية ضحى من أجلها ملايين المسلمين بأرواحهم منذ ظهور الإسلام، وقد قدم القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والفقه الإسلامي أفضل التوجيهات في هذا الشأن. لذلك، في أي نوع من أنواع التفاعل، يجب أن تكون المبادئ والقيم الإسلامية في الأولوية، ويجب الحفاظ على شرف وكرامة المجتمع الإسلامي والمسلمين.

2- الالتزام بالأمن والاستقرار:

التفاعل والاتفاق بالإضافة إلى تحقيق لأهداف الرئيسية؛ يسعى لتحقيق أهداف ثانوية مثل ضمان الأمن والاستقرار. قد يتحقق الأمن والاستقرار حسب الظروف، ولكن الأمن الذي يؤدي إلى استعباد المجتمع الإسلامي والسيطرة عليه لا يمكن التوقيع عليه أو قبوله تحت أي ظرف من الظروف.

خلال الاحتلال الأمريكي لأفغانستان طرح مرارا موضوع الاتفاقيات الأمنية والقواعد العسكرية الدائمة حتى تتمكن أفغانستان حسب قولهم، من العيش في سلام واستقرار، ووقعت عليها حكومة كابول أيضًا، لكن النتيجة كانت واضحة. فلم يتوفر الأمن فحسب، بل ارتجف وتزلزلت قواعدهم العسكرية أمام نضالات مجاهدي الإمارة الإسلامية بحيث هربوا أخيرا.

3- حماية المصالح المتبادلة المشروعة:

إن أي نوع من التفاعل يتم من أجل تأمين مصالح متبادلة مشروعة، ولكن عندما يتفاعل النظام الإسلامي مع المجتمعات أو الأفراد الكافرين؛ يجب أن يكون محور المصالح مشروعاً ويذهب إلى الحد الذي يسمح به الإسلام من الناحية الاقتصادية والسياسية، ولا ينبغي أن تُفرض على النظام الإسلامي مطالبهم غير الملائمة، ولا ينبغي أن تُقبل المطالب التي من شأنها أن تُشكك في حرية ومستقبل المجتمع الإسلامي وتشكل تحديات للأجيال القادمة.

والآن في ضوء هذه القضية سنلقي أيضا نظرة على التاريخ الماضي للإسلام وعلاقاته الدولية:

إن الدين الإسلامي دين عالمي وقانوني لكل البشرية. يهدف إلى بناء عالم يطيع فيه جميع البشر القانون الإلهي فقط، بدلاً من اتباع القوانين الوضعية وإن تفوق البشر على بعضهم البعض لا ينبغي أن يعتمد على العرق أو المنطقة أو الجنس، بل ينبغي أن يكون مبنيا على إتباع المبادئ الإلهية والقوانين الأبدية، ولا ينبغي للزعماء والمسؤولين أن يكونوا مستبدين أو جائرين، بل يجب أن تقوم حكومتهم على طاعة الله تعالى والتقوى.

لذلك؛ لقد اهتم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالعلاقات الدولية والإيمان والعزيمة والتوكل على الله والثقة بالنفس؛ وقد تشكلت أسس سياسته الخارجية في عهد النبوة؛ وتم الحفاظ على المبادئ والمعايير الدينية في حدود الكرامة الإنسانية والسياسية، وتم وضع الأساس للأجيال القادمة.

الإسلام دين اجتماعي تعتمد أحكامه على المبادئ وتشمل كافة علاقات المسلم (مع الله والناس)، وفي هذا الصدد، لا يتعلق الأمر فقط ببمجموعة من الأخلاق، بل يتعلق أيضا بنظام قانوني، وإن الطبيعة الاجتماعية للإسلام والتي هي من أبرز خصائصه يتجلى في مجال العلاقات، مما يدل على أن الإسلام فيه نظام قانوني عملي ومنسجم مع طبيعة الإنسان.

Exit mobile version