التقييم الشرعي لدعايات وانتقادات الخوارج الداعشيين ضد الإمارة الإسلامية! الجزء الخامس

المولوي أحمد علي

#image_title

بما أن الخوارج لا يفقهون في الدين، فقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عنهم إن الخوارج “سفهاء الأحلام” و”حدثاء الأسنان”، أي أنهم قليلو العقل وأعمارهم صغيرة أيضًا. فمن الطبيعي أن يكون الشخص قليل العقل وغير ناضج من حيث العمر، ومن ثم يفتقر إلى الفقه.

ولهذا السبب، نجد أنه على مرّ التاريخ كانت هناك جماعات باطلة معروفة بأفكارها وطبقاتها، وكان فيها علماء بارزون. ولكن الخوارج هم الجماعة الباطلة الوحيدة التي لم يظهر فيها علماء جليّون ومتميزون، وهم يقضون أوقاتهم دومًا في المشاكل، ووجودهم عادةً لا يدوم طويلًا؛ فشرهم شديد ولكن بقاءهم ووجودهم محدود للغاية.

كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “كلما طلع قرن قطع”، أي أنه كلما ظهروا سيتم القضاء عليهم، ولهذا السبب لم يُذكر لهم تاريخ متسلسل، ولا أفكار ولا عقائد محددة؛ ولكن إجمالًا، فإن جميع الخوارج، سواءً كانوا قدامى أو معاصرين، متفقون على أمر واحد وهو تكفير المسلمين في أمور ليست مُكفِّرة.

في بعض الأحيان تكون تلك الأمور غير المكفِّرة من كبائر الذنوب، وأحيانًا لا تكون ذنوبًا بل أمرًا مشروعًا، مثل ما حدث في عصر الصحابة رضي الله عنهم عندما ظهرت جماعة الخوارج، وبدؤوا بتكفير علي رضي الله عنه وأصحابه ومعاوية رضي الله عنه وأصحابه.

ذلك لم يكن ذنبًا كبيرًا، بل كان أمرًا مشروعًا ومطلوبًا وهو الإصلاح بين المسلمين. ولكن لأنهم لا يفقهون في الدين، وهم صغار السن وقليلو العقل ومندفعون، رفعوا شعار “إن الحكم إلا لله” وبدؤوا بتكفير جميع المسلمين في ذلك العصر، وأطلقوا نشاطات مسلحة ضدهم.

يقول الدكتور مصطفى حلمي في كتابه “الخوارج” عنهم: “من الصعب الوقوف على معتقدات الخوارج من خلال كتبهم، فالغالب أن مكتبات المسلمين خالية من مؤلفاتهم.”

بمعنى أن معرفة عقائدهم من كتبهم الخاصة أمر صعب، لأن مكتبات المسلمين خالية من مؤلفاتهم، حيث يعيشون في ظروف صعبة ولا يتاح لهم فرصة الكتابة والتأليف. ولهذا السبب، فإن خوارج كل عصر يختلفون عن خوارج العصور الأخرى من حيث الفكر والعقيدة، ولكنهم متفقون في أمر واحد وهو تكفير المسلمين في أمور ليست مكفِّرة.

أي أن هناك أقوالًا أو عقائد أو أفعالًا لا تُخرج من الملة، لكنهم يرونها كفرًا مخرجًا من الملة. وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله عنهم أيضًا: “وكذلك الخوارج لما كانوا أهل سيف وقتال ظهرت مخالفتهم للجماعة حين كانوا يقاتلون الناس، وأما اليوم فلا يعرفهم أكثر الناس، وظهرت الخوارج بمفارقة أهل الجماعة واستحلال دمائهم وأموالهم.”

المقصود هنا أن معرفة الخوارج تأتي من أفعالهم وأعمالهم، أي عندما يكفرون المسلمين ويستبيحون دماءهم وأموالهم، فهؤلاء هم الخوارج. ولن تجد أحدًا يسمي نفسه خارجيًّا؛ بل سيدّعي أنه على السنة.

أحيانًا تكون كتاباتهم موافقة لعقيدة أهل السنة، ولكن التطبيق يختلف تمامًا. كما يقول العلامة الدكتور أويس المظهر:

“فالخوارج يتم الحكم عليهم من استقرار الأحوال وتتبع المواقف، ولن تجد رجلًا منهم يصرح لك أنه خارجي، بل قد تكون كتبه التي يكتبها كلها موافقة لعقيدة أهل السنة، وعند التنزيل يكون الأمر مختلفًا.”

ويقول الدكتور أويس المظهر في موضع آخر: إن مشكلتنا مع الخوارج المعاصرين ليست في الأصول التي يستدلون بها؛ فعمومات الأدلة التي يستخدمها الخوارج قديمًا وحديثًا صحيحة، لكنهم يخطئون في تطبيقها.

والخلاف الأساسي معهم هو في التطبيق، فهم يطبقونها على أناس لا تنطبق عليهم، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: الخوارج يطبقون الآيات التي نزلت في الكفار على المؤمنين؛ فمشكلتهم تأتي من سوء الفهم والتأويل. كما قال الدكتور أويس المظهر:

“ونؤكد أن المشكلة ليست في التأصيل، فالعمومات التي يستدل بها الخوارج قديمًا وحديثًا هي عمومات صحيحة، ولكنهم ينزلونها على غير واقعها، فالمشكلة في التنزيل، كما جاء عن السلف في وصف الخوارج أنهم ينزلون الآيات التي نزلت في الكفار على المؤمنين، ولذلك فمشكلتهم في التأويل الفاسد.”

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله أيضًا: “وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منهم ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغيره.”

فقد كانوا يعتبرون الإصلاح بين المسلمين شركًا بالله في صفة الحكم، وكانوا يتمسكون برأيهم حتى أنهم كانوا يقدمون أنفسهم فداءً له، وكانوا يعتبرون من يخالف رأيهم مرتدًا ومستحقًا للقتل.

خوارج داعش اليوم هم على نفس الشاكلة، يخطئون في تفسير نصوص الكتاب والسنة، وهم سطحيو المعرفة، وليس لديهم علماء متبحرون، يفسرون نصوص الكتاب والسنة تفسيرًا خاطئًا ويتمسكون بآرائهم. كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “ولكن بدعة الخوارج كما يقولون كان قصد أهلها متابعة النص والرسول، لكنهم غلطوا في فهم النصوص وكذبوا بما يخالف ظنهم من الحديث ومعاني الآيات.”

نفس الشيء يحدث اليوم، حيث يتبرؤون من الكفر ظاهرًا، لكنهم يخطئون في فهم القرآن والحديث.

كل عالم يخالف رأيهم يعتبرونه عالم سوء وباطلًا في نظرهم، وكل حديث يخالف عقيدتهم يعتبرونه ضعيفًا، ويكذبون كل تفسير للقرآن يخالف رأيهم، ويكفرون العديد من المسلمين والجماعات الإسلامية على أمور مباحة أو معصية، أو حتى على أمور مشروعة ومطلوبة.

ابو صارم
Exit mobile version