التقييم الشرعي لدعاية وانتقادات خوارج داعش ضد الإمارة الإسلامية الجزء الثالث عشر

مولوي أحمد علي

#image_title

غلام ميرزا أحمد القادياني، الذي ادّعى النبوة، أنكر عقيدة ختم النبوة المتفق عليها جماعيًا في الإسلام. واعتبر نفسه وأتباعه جزءًا من الأمة الإسلامية، واستغل منصات الأمة ومنهجها لنشر عقائد كفرية، كما استخدم شعائر الإسلام لخدمة أغراضه.

في مواجهة ذلك، قام المسلمون بحراك احتجاجي من خلال النظام الجمهوري، حيث أطلقوا حركة باسم “ختم النبوة”. وأسفرت هذه الحركة عن قرار برلماني، يقضي بأن القاديانيين طائفة غير مسلمة، وليس لهم الحق في أن يُطلقوا على أنفسهم مسلمين، أو أن يُسمّوا أماكن عبادتهم بالمساجد، أو أن يدعوا الآخرين باسم الإسلام.

 

في حين أن الحكم الشرعي لم يكن كذلك، لأنهم كانوا مرتدين. فإذا كان النظام الحاكم إسلاميًا وليس جمهوريًا، لكان من الواجب الشرعي للنظام الإسلامي أن يدعوهم للتوبة، وإن لم يتوبوا لكان عقابهم القتل.

 

لكن على أي حال، كان هذا أيضًا نجاحًا إلى حد ما. الآن، القاديانيون غير قادرين على ممارسة دعايتهم علنًا باسم الإسلام، ولا يمكنهم إدارة مدارس باسم الإسلام، أو بناء أماكن عبادة تحمل اسم “المساجد”، أو عقد اجتماعات ودعوات باسم الإسلام والشريعة والقرآن والسنة.

 

على العكس من ذلك، الروافض يستطيعون القيام بكل ذلك باسم الإسلام.

 

على سبيل المثال، بفضل جهود حكومة الإخوان المسلمين في تركيا بقيادة رئيسها رجب طيب أردوغان، حدثت سلسلة من الإصلاحات في تركيا العلمانية. ومن بين هذه الإصلاحات، قبل سنوات قليلة، تم تحويل مسجد “آيا صوفيا”، الذي حوّله الزعيم العلماني مصطفى كمال أتاتورك إلى متحف، مرة أخرى إلى مسجد.

 

لذلك، إذا فضل شخص النظام الجمهوري على نظام غير إسلامي آخر، مثل النظام الملكي أو العسكري أو الأنظمة الدينية الكافرة مثل الهندوسية والبوذية وما شابه ذلك، أو الأنظمة الشيوعية، وأظهر نوعًا من الولاء لهذا النظام أو تعاطفًا معه، أو قدم مطالب لصالحه، فهذا ليس كفرًا. ومع ذلك، إذا كان كل هذا ضد النظام الإسلامي، فإنه يصبح كفرًا صريحًا.

 

مثال آخر هو النجاشي، الذي لم يكن قد أسلم بعد، وكان نظامه كافرًا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم مدحه وسمح للصحابة بالهجرة إلى بلاده، لأنه كان عادلًا ولم يظلم.

 

على سبيل المثال، في “الأيام النضرة في السيرة العطرة”، الجزء الخامس، الصفحة 6، كتب أبو هاشم صالح بن عوّاد بن صالح المغامسي: وأيضًا في كتاب “في سبيل العقيدة الإسلامية”، الجزء الأول، الصفحة 86، قال عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن محمد السلطاني القنطري الجزائري (المتوفى: 1404هـ): ثم جاء الإذن بالهجرة إلى الحبشة، ولم يكن هذا من السماء، وإنما كان اجتهاداً منه ﷺ، وأخبر أن ذلك الملك الذي يوجد في الحبشة، وهو النجاشي ملك لا يظلم الناس عنده، رغم أن النجاشي لم يكن مسلماً، ولا يؤمن بالله ولا باليوم الآخرة، ولا يعرف عنده دين الإسلام، لكن المؤمنين مستأمنون عنده. فأذن النبي ﷺ لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وهذا هو التعريف الحقيقي لما يسمى باللجوء السياسي اليوم.

 

في السيرة النبوية لابن هشام، الجزء الأول، الصفحة 291، ورد عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: عندما كنا مهاجرين في الحبشة، كنا نفرح بانتصار النجاشي لأنه كان يعاملنا بلطف. وعندما اشتد أذى مشركي قريش على المسلمين شرعوا في الهجرة إلى خارج نفوذ المشركين، فبعض المسلمين هاجروا إلى الحبشة المسيحية، إذ وجدوا في حاكمها (النجاشي) حسن الاستقبال والجوار والرعاية والأمان وسعة الصدر، وهذا لم يجدوه بين أهلهم وفي بلدهم مكة، إذ لم يضق صدره من المسلمين، وهم في بلده وإن كانوا مخالفين له في عقيدته ودينه ذلك؛ لأنه مسيحي صميم غير متعصب، ولم يكن في قلبه أي حقد على الإسلام وعقيدته، وقد أثنى الله في القرآن عليهم – الحبشة – كما جاء في قوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ اَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِيْنَ اٰمَنُوا الْيَهُوْدَ وَالَّذِيْنَ اَشْرَكُوْا ج وَلَتَجِدَنَّ اَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِيْنَ اٰمَنُوا الَّذِيْنَ قَالُوْۤا اِنَّا نَصٰرٰىؕ ذٰلِكَ بِاَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيْسِيْنَ وَرُهْبَانًا وَّاَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُوْنَ ٨٢﴾ (سورة المائدة: 82)

في السيرة النبوية لابن هشام، الجزء الأول، الصفحة 291، ورد عن أم سلمة رضي الله عنها أنه عندما كنا مهاجرين في الحبشة، كنا نفرح بانتصار النجاشي وغلبته، لأنه كان يعاملنا معاملة حسنة. وذات مرة، خاض النجاشي حربًا ضد رجل حبشي آخر كان ينافسه على الحكم والسلطة. أقسمت أم سلمة رضي الله عنها أنه لم يكن هناك هم أكبر أصابنا في تلك الفترة من احتمال هزيمة النجاشي، لأننا كنا نخشى أن يأتي حاكم آخر لا يعترف بحقوقنا. لذلك، كنا ندعو الله لنصرة النجاشي.

 

وكانت ساحة المعركة على الضفة الأخرى من النيل. فتساءلنا فيما بيننا: من يذهب إلى ساحة القتال ليأتينا بالأخبار الصحيحة؟

 

فقال الزبير بن العوام رضي الله عنه، وكان حينها صغير السن: أنا سأذهب. فقاموا بنفخ قربة ماء وربطوها له ليعبر بها. ذهب إلى ساحة المعركة، ثم عاد بعد فترة وهو يركض ويرفع ثوبه ليبشرنا قائلاً: أبشروا! لقد انتصر النجاشي وقُتل عدوه.

 

أقسمت أم سلمة رضي الله عنها قائلة: والله، ما فرحنا فرحًا أعظم من ذلك اليوم.

 

إذا نظرنا الآن إلى الأمر، نجد أن نظام النجاشي كان كافرًا ولم يكن نظامًا إسلاميًا. لكنه رغم ذلك كان يوفر للمهاجرين الأمان ويعاملهم بالحسنى، مما دفعهم إلى تفضيله والدعاء له في مواجهة حاكم كافر آخر.

المهاجرون يفرحون بانتصار النجاشي، قالت: فوالله! إنا لعلى ذلك إذا نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ. قَالَتْ: فَوَاللهِ! مَا علمتُنا حَزِنَّا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أشدَّ عَلَيْنَا مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ؛ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حقِّنا مَا كَانَ النجاشيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. قَالَتْ: وَسَارَ إلَيْهِ النَّجَاشِيُّ، وَبَيْنَهُمَا عَرضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ حَتَّى يحضرَ وقيعةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِينَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا. قَالُوا: فَأَنْتَ. وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا. قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا ملتقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللهَ تَعَالَى لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عدوِّه والتمكين له في لَادِهِ. قَالَتْ: فَوَاللهِ إنَّا لعلَى ذَلِكَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ، إذْ طَلَعَ الزبيرُ وَهُوَ يسعَى، فَلَمَعَ بِثَوْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَلَا أَبْشِرُوا، فَقَدْ ظَفِرَ النجاشيُّ، وَأَهْلَكَ اللهُ عدوَّه، ومكَّن لَهُ فِي بِلَادِهِ. قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُنَا فَرِحنا فَرْحَةً قَطُّ مثلَها.

أما بخصوص موضوعنا الأساسي: هل التعاون مع الكفار ضد المسلمين يعتبر كفرًا مطلقًا؟

 

في الأجزاء السابقة من هذه المقالة، أوضحنا أن موقف أهل السنة والجماعة، بما فيهم السلف، الأئمة الأربعة، المتقدمين، وأغلبية المتأخرين، هو أن هذا الفعل إذا كان بسبب فساد أو خبث اعتقادي، فإنه يُعد ردة. أما إذا كان لغرض شخصي أو منفعة دنيوية، فإنه يُعتبر من الكبائر، لكنه ليس كفرًا. وقد قدمنا نصوصًا واضحة وأقوالًا جلية من السلف وبعض المتقدمين والمفسرين الكبار لتوضيح هذا الأمر.

Exit mobile version