إضافة إلى ذلك، يستغل تنظيم داعش ثغرات الأنظمة المصرفية من خلال إنشاء وثائق وشهادات مالية مزيفة، حيث يقوم بإنشاء شركات ووثائق وهمية لتجاوز إجراءات التحقق في البنوك وفتح حسابات في المصارف الدولية. هذا النوع من الأنشطة يصعب على المراقبين الدوليين اكتشافه، لأن أنظمة الرقابة الداخلية في البنوك غالبًا ما تعجز عن مواجهة الوثائق المزورة. ومن خلال هذه الإستراتيجية، يتمكن داعش من تحويل موارده المالية غير القانونية بسهولة في الأسواق العالمية وتمويل عملياته الإجرامية.
وفي النهاية، يعمد داعش إلى زيادة موارده المالية عبر أنشطة تجارية غير مشروعة، مثل تهريب النفط، وتهريب البشر، وتهريب الآثار، وبيع المواد الممنوعة. هذه العائدات غير القانونية تكون في الغالب نقدية، لكن التنظيم يقوم بإدخالها في النظام المالي العالمي عبر الطرق المذكورة أعلاه، سواء من خلال الوسائل الإلكترونية، أو المصرفية، أو شبكات الحوالة. وبفضل هذا المزيج من الأنشطة، استطاع داعش أن يحقق إيرادات بملايين الدولارات، وهي مصدر مالي رئيسي لعملياته العسكرية، وحملاته الدعائية، والحفاظ على نفوذه المحلي.
بصورة عامة، تقوم إستراتيجية داعش في الاستيلاء على الموارد المالية على استغلال ذكي لثغرات التكنولوجيا والأنظمة المالية غير الرسمية، وهي إستراتيجية معقدة ومتنوعة تشكل تحديًا جديًا للمراقبين الأمنيين والماليين على المستوى الدولي. ولمواجهة هذه الإستراتيجية، لا بد للمؤسسات العالمية من العمل المشترك، وتعزيز أمن الأنظمة المالية، وإيجاد أساليب جديدة للرقابة والمكافحة تواكب تطور التقنيات الإلكترونية.
أمثلة عملية:
المثال الأول: سرقة مالية من النظام المصرفي التركي
في عام 2017، كشفت الاستخبارات التركية شبكة أنشأها داعش عبر هجمات إلكترونية، حيث استهدفت هذه الشبكة الحسابات الإلكترونية في البنوك الصغيرة والمتوسطة، باستخدام أساليب التصيد الإلكتروني (Phishing)، والمواقع المزيفة، وبرمجيات خبيثة (Trojan Malware) للسيطرة على آلاف الحسابات.
في هذه العملية، ركز داعش على نقاط الضعف في آليات الرقابة لدى البنوك التركية، مستهدفًا الحسابات التي تفتقر لتدابير أمنية متقدمة. ومن خلال التصيد، حصل على أسماء المستخدمين وكلمات المرور وتجاوز التحقق بخطوتين. هذه الهجمات فعّالة لأنها منخفضة التكلفة وعالية العائد، وقد أظهرت التقارير أن داعش حصل من خلالها على عشرات الملايين من الليرات التركية (أي عدة ملايين من الدولارات).
كان رد فعل السلطات التركية بطيئًا، إذ اعتُبرت الحادثة في البداية مجرد عملية احتيال مالي عادية، لكن لاحقًا تبيّن أنها هجوم إلكتروني نفذه داعش، مما كشف أن العلاقة بين الإرهاب والأمن السيبراني لا تزال ضعيفة في بعض الأنظمة.
المثال الثاني: محاولة سرقة حسابات مصرفية افتراضية في أوروبا
في عامي 2019–2020، أظهرت تحقيقات اليوروبول والشرطة الفيدرالية الألمانية أن داعش فتح حسابات مصرفية افتراضية في ألمانيا وهولندا وبلجيكا باستخدام هويات وشركات مزيفة. هذه الحسابات كانت مسجلة بأسماء جمعيات خيرية أو مراكز إسلامية أو شركات، لكن خلفها كانت شبكة مالية تابعة لداعش.
اعتمد داعش على تقنيات “انتحال الهوية” و”فتح الحسابات الاحتيالية”، مستفيدًا من تسهيلات بعض البنوك في إجراءات فتح الحسابات عبر الإنترنت، والتي كانت تتم دون تحقق متقدم مثل استخدام كاميرا الويب أو القياسات الحيوية الدقيقة.
تم تمويل هذه الحسابات بمبالغ صغيرة على شكل تبرعات أو حوالات، لكن المبالغ تراكمت تدريجيًا، وقدرت اليوروبول أن داعش حصل عبرها على ما بين 4–6 ملايين يورو، أُرسل جزء منها إلى سوريا والعراق وإفريقيا. هذه القضية أظهرت أن حتى البنوك الأوروبية المتقدمة قد تكون ضعيفة أمام الوثائق المزيفة والتغطية الخيرية والشبكات السرية.
المثال الثالث: استهداف بنوك الشرق الأوسط عبر خطابات تحويل مزورة
في عام 2018، سُجّلت في عدة بنوك في الأردن ولبنان والعراق محاولات من داعش لتحويل ملايين الدولارات عبر خطابات تحويل وضمانات مصرفية مزيفة. استعان التنظيم بخبراء تزوير مالي محترفين، واستخدم أسماء شركات مغلقة أو غير موجودة أصلًا.
في هذه الحالات، لم يعتمد داعش فقط على الوسائل الإلكترونية، بل على “تزوير المستندات المالية” بشكل احترافي جعل موظفي البنوك غير قادرين على كشف التزوير.
في لبنان والأردن، فشلت المحاولات، لكن في العراق نجحت إحداها، حيث تم تحويل حوالي 1.5 مليون دولار إلى حساب شركة وهمية. تكشف هذه الحوادث الثلاث أن داعش يستخدم مروحة واسعة من الأساليب، من الهجمات الإلكترونية إلى الحسابات المزيفة وخطابات التحويل والشبكات السرية، مستغلًا عاملين أساسيين:
1. غياب تبادل المعلومات بين البنوك الدولية.
2. ضعف التنسيق القانوني بين جرائم الإنترنت والجرائم المالية.
ومن خلال هذه الثغرات، يتمكن داعش من تحصيل موارد مالية غير قانونية وإخفائها عن أنظار القوانين الدولية.