خيانة الحلفاء: رفاق الأمس، أعداء اليوم
كانت جماعة داعش المتطرفة في ذروة قوتها، تستند إلى شبكة من الداعمين المحليين والدوليين، كأعمدة خيمة حافظت على تماسك بنيانها.
لكن عندما تغيّر اتجاه الرياح — أي حين بدأ الدواعش المتوحشون بممارسة أعمالهم العنيفة والوحشية — سقطت تلك الأعمدة واحداً تلو الآخر.
الدول التي كانت بالأمس توفّر لداعش الممرات الآمنة، والمصادر المالية، والدعم الأيديولوجي، أغلقت تدريجياً أبواب الدعم، مما وجّه ضربة قاتلة إلى جسد التنظيم، كانت أشد فتكاً من أي هجوم عسكري مباشر.
لقد لعبت تركيا دوراً مزدوجاً بصفتها الممر الأهم لنقل المقاتلين إلى تنظيم داعش؛ ففي الفترة ما بين عامَي 2014 و2016، كانت حدودها مفتوحة أمام آلاف المقاتلين الأجانب، وكانت مستشفياتها تقدّم العلاج لجرحى التنظيم.
غير أن سلسلة الهجمات الإرهابية التي شنّها داعش في إسطنبول وأنقرة، إلى جانب الضغوط الغربية المتزايدة، دفعت حكومة أردوغان إلى تغيير سياستها بشكل مفاجئ؛ فأُغلقت الحدود، وشنّت القوات التركية عمليات عسكرية في شمال سوريا، ما قطع الشريان الحيوي للتنظيم.
أما قطر، التي كانت ذات يوم شريكاً مالياً لداعش من خلال شبكاتها المالية، فقد اضطُرّت تحت وطأة الضغوط الدولية إلى تغيير موقفها.
فالبنوك القطرية التي كانت ترسل ملايين الدولارات إلى حسابات قادة التنظيم، أُغلقت فجأة، مما أحدث أزمة مالية خانقة داخل هيكل داعش الاقتصادي.
أما رواتب المقاتلين الأجانب، التي كانت تُدفع سابقاً بشکل منظم، فقد بدأت تتأخر إلى مدّة وصلت أحياناً إلى ستة أشهر، الأمر الذي أدى إلى موجة واسعة من الانشقاقات والفرار من صفوف التنظيم.
فالعناصر التي اجتمعت لأجل المال والثروة، وكانت على استعداد لفعل أي شيء من أجل المال — أن تقتل أو تُقتل — حين انقطعت عنها تلك الموارد المادية، وتوقّف الشريان الذي كان يمثل غايتها الأساسية، كان طبيعياً أن تفضّل الهروب على البقاء. إذ لم تكن وفية إلا للمال، ولم تكن تملك إيماناً ولا عقيدة.
أما المملكة العربية السعودية، فربما كانت لها علاقة وطيدة مع داعش في وقت من الأوقات.
غير أنها، خشية من تصاعد قوة التنظيم، بدأت تدريجياً تقليص دعمها له.
وعندما شرع داعش في استهداف المصالح السعودية في العراق وسوريا، أعلنت الرياض رسمياً تصنيف التنظيم كمنظمة إرهابية.
وقد شكّل هذا التغيير في الموقف السعودي شرخاً عميقاً في البنية الأيديولوجية لداعش، إذ سارع عدد من العلماء المرتبطين بالمملكة إلى إصدار فتاوى صريحة تُدين التنظيم وتُحرّم الانتماء إليه.
وفي نهاية المطاف، اتّخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون — الذين كانوا في البداية يتبعون سياسة “الاحتواء المنضبط” تجاه داعش — موقفاً أكثر صرامة، فشكّلوا تحالفاً دولياً وشنّوا ضربات جوية مكثفة، كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش التنظيم.
ويعتقد المراقبون أن هذه التحوّلات المتزامنة في المواقف الدولية، لو لم تحدث في الوقت نفسه، لربما تمكّن داعش من البقاء سنواتٍ أخرى.
لقد كان تنظيم داعش بالنسبة لداعميه مجرد ورقة في لعبة جيوسياسية كبرى؛ ورقة ما إن خرجت عن السيطرة حتى تمّ التخلي عنها والتضحية بها.
وقد أصبح مصير داعش درساً بليغاً لكل الجماعات التي تظن أنها قادرة على استغلال دعم القوى الكبرى لتحقيق أهدافها، دون أن تدرك أن هذا الدعم مشروط ومؤقت دائماً.