بعد عقود طويلة، تولى الحكم في رقعة صغيرة من جغرافيا الأمة نظامٌ طالما كان دعاء كل مؤمن وصيحته، إنه ثمرة دعاء المظلومين وتأوّهاتهم وآهاتهم.
القيادة الحاكمة ليست مجرد أمنية لسكان هذه الرقعة وحدهم، بل كان حلم كل فرد من أبناء الأمة جمعاء.
إن كانت قد سُفِكَت هنا دماء غزيرة، وقُدِّمت تضحيات عظيمة، وبُذِلَت الأرواح في سبيل القيادة الحاكمة، فكل ذلك لم يذهب سُدى؛ بل هذه الزعامة القائمة اليوم هي ثمرة تلك التضحيات، زعامة تُعَدّ نموذجاً في الدين والإسلام، ومنارةً مضيئة في السياسة الخارجية والداخلية المتوازنة.
هنا، لم يَسقُط الاحتلال الأجنبي فحسب، بل تمّ أيضاً كبحُ الفوضى الداخلية التي أحرقت الشعب المؤمن بنار الظلم، كما تمّ طرد دعاة التغريب الداخليين الذين كانوا يستهدفون بشكل مباشر عقيدة وأفكار هذا الشعب المؤمن.
أما سبب إقدام الجبّار العالمي المتغطرس على غزو أفغانستان للمرة الثالثة على التوالي خلال قرنٍ واحد، فهو خوفه العميق من سكان هذه الجغرافيا، إنه خوفٌ على بقائه وعلى لادينيّته، خشيةً من أن يُلحق هذا الشعب المتدين الضرر بإمبراطوريته المتغطرسة، لأنّ الشعب الأفغاني سجّل في تاريخه حتى اليوم العزّة والكرامة في الدين، وسجّل الشجاعة والانتصار في ميادين القتال، ولم يُسجّل عليه أبداً عبوديةٌ للمتغطرسين ولا خضوعٌ للمادّيات، ولا يمكن أن يكون هناك سبب آخر خارج هذا التحليل.
وبما أن قوات الاحتلال لم تُثبت أقدامها هنا، ولم تتمكّن من شراء ضمائر هذا الشعب المؤمن، فإنهم يحاولون ترك نواب لهم في هذه الأرض المستعمَرة، يتظاهرون بالإسلام، بينما هم في الحقيقة صنيعة الاستعمار.
وهذا التكتيك ناجح لأن المستعمِر إذا وجد في المستعمَرة شخصاً باع ضميره، يتحدث بلسانهم، ويتشرّب ثقافتهم، ويرتدي ثيابهم، يُوصله إلى الحكم، فيبدو مرتدياً ظاهراً لباس الأفغانيّة والإسلام، وعارفاً بعادات وتقاليد هذا الشعب المستعمَر، فيبدو قريباً منهم، وهو في حقيقته يعمل على خدمة الاستعمار.
ذلك النائب الحاكم يعمل تماماً من أجل التغريب والديمقراطية كما يعمل الغرب بل أكثر، إنّ موجة الديمقراطية العاتية هذه قد اجتاحت أفغانستان، وألحقت الضرر بزينتها وجمالها، لكن بإرادة الله تعالى تمت السيطرة على هذه الموجة، وزال ذلك النائب الذي كان يسعى لتوسيعها.
وكانت نتيجة نوايا هذا الشعب الطاهرة أن وقفت الإمارة الإسلامية كالسندان في وجه تلك الموجة السامة، وفي النهاية حققت النصر، فالإمارة تفخر بهزيمة الغربيين، وبطرد عملائهم الذين كانوا يستهدفون عقائد وأفكار هذا الشعب المؤمن.
إن كانوا بالأمس حركة، فاليوم هو زعامة وقيادة تسير بحكمة بالغة وبصيرة دينية وسياسية نحو بناء دولة قوية ومستقرة، تهدف إلى اقتلاع جذور الغربيّة والدين المصنع (الديمقراطية) من كل ركن في العالم، وجمع الأمة تحت كلمة واحدة وإمام واحد كما كانت في الماضي.
الأهداف العليا لهذه الزعامة هي أن يعمل كل فرد منها بتعهده لتحقيق هذه الغاية، وهذه الغاية تُرعى في كل خطوة من خطوات إمارة أفغانستان الإسلامية.
أما الشائعات التي تبثها الأفكار الخارجية والرافضية التي تلبس الإسلام لباساً مزيفاً، فهي تنبع من زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أولئك الذين لم يتمكنوا من كبح نار الحسد تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، واتهموه ظلماً، وهو النبي الذي أطلق عليه المشركون لقب “الأمين”.
والحمد لله، فإن هذا الخروج الفكري أو الفعلي قد كُبح حتى الآن بفضل جهود الإمارة الإسلامية المستمرة، وقد أخمد بعد معارك طاحنة في كل أرجاء البلاد.