الإفراط في الدين (الغلو):
في بداية ظهور الخوارج، كانوا كما وصفهم رسول الله ﷺ حين قال عنهم: “تحقرون صلاتكم مع صلاتهم”، أي أن عباداتهم كانت تبدو عظيمة في الظاهر، لكنهم في المقابل بالغوا في التكفير والإفراط إلى أقصى درجات الغلو.
يروي جندب الأزدي رضي الله عنه قائلاً: “عندما اقتربنا من معسكر الخوارج، سمعنا أصوات القرآن تتردد فيه كطنين النحل.”
لقد كان الخوارج كثيري الصلاة والصيام وتلاوة القرآن، لكنهم تجاوزوا حدَّ الاعتدال، فسقطوا في الغلو الذي قادهم إلى مخالفة أصول الإسلام، مثل تكفير مرتكب الكبيرة.
وبلغ بعضهم حدًّا من التطرف جعلهم يكفّرون كل من ارتكب معصية مهما كانت صغيرة، معتبرين إياه كافرًا ومشركًا ومستحقًا للنار، كما أوضح ذلك الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه الفصل.
وبسبب هذا التشدد، اعتبروا جميع المسلمين الذين يخالفونهم كفارًا، واصفين إياهم بالمنافقين أو مستحلّين دماءهم، حتى إن بعضهم لم يُفرّق في القتل بين الرجال والنساء والأطفال، كما فعلت فرقة الأزارقة.
أضرار التشدد عند الخوارج:
إن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن الخوارج، بسبب جهلهم وتشددهم وإفراطهم، قد شوّهوا جمال الإسلام، واتخذوا نهجًا متطرفًا لم يأمر به رسول الله ﷺ، ولا أيّده القرآن الكريم.
لقد نهى النبي ﷺ عن التشدد، لأن الغلو يتعارض مع منهج الإسلام الوسطي، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
“هلك المتنطعون!” – قالها ثلاث مرات. (رواه مسلم)
كما قال ﷺ:
“إن هذا الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا.”
وهذا يدل على أن طريق الخوارج هو طريق الغلو والمخالفة لمنهج الرحمة والتيسير في الإسلام.
جهل الخوارج:
الجهل آفة عظيمة، وهو صفة مذمومة لا محمودة. فالعلم هو ضد الجهل، وأخطر أنواع الجهل هو أن يظن الجاهل نفسه عالمًا، فمن كان جاهلًا ولا يدرك أنه جاهل، فقد بلغ أقصى درجات الحماقة.
وكان الجهل أساس نشأة الخوارج، وأول من جسّد فكرهم كان ذو الخويصرة التميمي، ذلك الرجل الذي قال لرسول الله ﷺ بوقاحة:
“يا محمد! اعدل، فإنك لم تعدل!” (رواه مسلم)
فقال له النبي ﷺ:
“ويلك! ومن يعدل إن لم أعدل؟!”
ومن شدّة جهلهم، أنهم طلبوا من عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يعترف بكفره أولًا، ثم يعلن توبته بعد ذلك!
يقول الإمام ابن حجر رحمه الله:
“لما بدأ الخوارج بتكفير مخالفيهم، استحلّوا دماء المسلمين، لكنهم لم يتعرضوا لأهل الذمة (غير المسلمين)، بل تركوا الجهاد ضد الكفار، وانشغلوا فقط بقتال المسلمين! وهذا هو عين جهلهم.”
وفي النهاية، لم يقتصر ضرر الخوارج على غيرهم، بل كان وبالًا حتى على أنفسهم، كما قال الله تعالى:
﴿هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف: 103-104).