في التاريخ، هناك أيام ولحظات ليست فقط حاسمة لمصير جغرافيا معينة، بل تثبت أيضًا عزم شعب وتضحياته وكرامته.
9 من شهر سنبله لعام 1400 هجري شمسي كانت واحدة من تلك الأيام، حيث خرج آخر رمز للاحتلال من أرض أفغانستان، الجندي الأمريكي “كريس دوناهو”، وفتحت صفحة جديدة من استقلال أمتنا.
إن غزو أمريكا لأفغانستان، الذي بدأ في السابع من أكتوبر عام 2001 تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”، كان خاليًا من أي مبدأ من مبادئ العدالة والقانون. كان هذا الغزو في الحقيقة احتلالًا، لم يكن له وجود عسكري فحسب، بل أيضًا كان يستهدف الثقافة والاقتصاد والإرادة والحرية.
عشرون عامًا من الرعب، والسجون، والقتل العشوائي، والاقتحامات الليلية، وكل أنواع محاولات انتهاك حرمة الشعب. لكن ضمير الشعب الأفغاني الغيور لم يتعب أبدًا من الانتفاضة والنضال والمقاومة.
أمريكا، التي تعتبر نفسها القوة العظمى في العالم، لم تتمكن من خلال عشرين عامًا من الحرب، وإنفاق مليارات الدولارات، ووجود آلاف الجنود، من السيطرة على شعب قائم على الحق. كانت تلك المغادرة اعترافًا بأن القوة والتكنولوجيا والدعاية لا يمكن أن تكسر إرادة الشعوب.
خروج كريس دوناهو كان دليلًا واضحًا على فشل استراتيجية احتلالية، وفكر احتلالي، وسقوط عدالة دولية مزيفة. تلك الليلة التي غادر فيها آخر جندي أمريكي، كريس دوناهو، من مطار كابل، كانت آخر لحظة من احتلال أمريكا الذي دام عشرين عامًا. كانت ليلة اعتراف بالهزيمة بدلاً من الفخر، تعبيرًا عن الفشل أمام مقاومة الشعب الأفغاني التي لا تقهر.
غادر دوناهو في ظلام الليل بلا فخر، بلا انتصارات، بلا مآثر، كآخر ممثل لجيوش منهزمة. كانت خطواته موتًا لشعارات أمريكا التي حاولت استعمار أمتنا تحت اسم الحرية وحقوق الإنسان والتقدم.
لم يحمل معه علمًا أو انتصارًا أو إنجازًا، بل ترك درسًا عبرة؛ أنه مهما كان الاحتلال قويًا، لا يمكنه كسر إرادة الشعوب.
الشعب الأفغاني، الذي كتب قصة تضحياته على مدى عشرين عامًا بقوة إيمانه وكرامته، أنهى أخيرًا آخر صفحة من احتلال عظيم. ستبقى تلك المغادرة في ذاكرة التاريخ لحظة سواد لأمريكا، ولكنها لحظة ذهبية من الفخر للشعب الأفغاني.


















































