الشهيد السعيد إسماعيل “تقبله الله”، ابن محمد أيوب، من سكان قرية دندوكي، التابعة لمديرية سيدآباد في ولاية وردك، وُلد في سنة 1373 هـ ش، في أسرة متدينة ومجاهدة.
أكمل تعليمه العصري حتى الصف التاسع، ثم التحق بالمدرسة الدينية، حيث شرع في حفظ القرآن الكريم في مدرسة الصوفي ملا گل خان بابا. وإلى جانب دراسته، كان يشارك المجاهدين في ميادين الجهاد، وكان أحيانًا يذهب سرًا معهم لزرع الألغام أو الكمائن، واستمر في هذه المشاركات السرية لمدة ثلاث سنوات دون أن يعلم أحد من أهله أو أصدقائه بذلك. يقول عمه: “ذات ليلة ذهبت إلى غرفته فوجدت فراشه مفروشًا، لكنه لم يكن فيه، فأدركت أنه قد ذهب سرًا مع المجاهدين. أخبرت والده، لكن والدته تدخلت وقالت: لقد مضى وقت طويل على خروجه مع المجاهدين لزرع الألغام، وأنت الآن فقط علمت بالأمر؟ ثم رفع كلا الوالدين أيديهما بالدعاء له، قائلين: لقد سلمناه إلى الله جل جلاله”.
كان إسماعيل شابًا يافعًا عندما دخل ميدان الجهاد العملي، وشارك في معظم الكمائن، الألغام، والهجمات في مديرية سيدآباد. اكتسب خبرة كبيرة في المعارك، والمداهمات، والصعوبات. وكان أهل المجاهدين يعيشون في قلق دائم بعد كل كمين أو عملية، يترقبون عودة من خرج منهم، وذات مرة انتشرت شائعة عن استشهاد إسماعيل.
يقول شقيقه: “انتشرت شائعة استشهاد إسماعيل، وبلغني الخبر، فغمرتني الأحزان والآلام، وبدأت أتجول في حيرة لا أدري إلى أين أذهب، لم تكن الأرض تسعني، ودموعي كانت تنهمر بلا إرادة، وقلبي ينزف. خرجت من قريتنا متجهًا نحو قرية جاره ده بقدمين متعبتين ومنهكتين، وكنت أحدث نفسي: ربما لم يعد لي أخ صغير في هذه الدنيا، كيف استُشهد وأين؟ لا أدري كيف كنت، كم كان لوني شاحبًا؟ كم كانت شفتاي جافتين؟ كم كنت مرتبكًا في طريقي؟”
لكن فجأةً ناداني بصوتٍ مرتفع الشهيد بلال، وقال: “همايونه! إلى أين تسير بهذه العجلة والارتباك؟ هل كل شيء بخير؟”
كان بلال رفيق السلاح لإسماعيل في الجبهة. فقلت له بصوتٍ يملؤه البكاء: “أخي قد استُشهد!”
فابتسم لي، فقلت له: “أأخبرك أن أخي استُشهد، وأنت تضحك؟!”
فقال لي: “إنه بخير! من الذي قال لك إنه استُشهد؟ تعالَ، سأصطحبك إليه!”
ذهلت وترددت قليلًا، لكني سرت معه. ثم أوقفني أمام أحد المجاهدين الذي كان يرتدي زيًّا عسكريًا ويلف رأسه بعمامة، فقال لي: “هذا هو إسماعيل!”
فرفعت فورًا المنديل عن وجهه، وإذا بإسماعيل يبتسم لي بفمٍ مغطى بالتراب ويقول: “كادت دموعك أن تفضحك، يا عديم الغيرة!”
عانقته بشدة وضممته إلى صدري، وتحوّلت دموع الحزن والأسى إلى دموع فرحٍ وابتهاج. ظللت محتضنًا له وقتًا طويلًا، ثم عدنا سويًا إلى المنزل.
ولأنه كان مجاهدًا موهوبًا، تقيًّا، وصاحب عزمٍ قوي، فقد تم اختياره من قبل قائد مجموعته ضمن لائحة المجاهدين المتجهين إلى ولاية ننغرهار لمحاربة الخوارج (الدواعش).
غادر مع الكتيبة دون أن يخبر أهله.
كان والده قد سافر إلى إيران طلبًا للرزق بسبب الفقر، ويقول والده:
“ذات يوم، كنت متعبًا جدًا، وإذا بالهاتف يرن، أجبت، فسمعت صوتًا عذبًا أحببته فورًا… إنه صوت ابني الغالي، إسماعيل جان، كان يتحدث معي بمحبة شديدة.
سألته عن حال البيت، وتحادثنا طويلًا، ثم قال لي: (أريد أن أخبرك بشيء، لكن لا تغضب!)
فقلت له: (تحدث يا بُني، ولماذا أغضب؟)
فقال: (آغا، لقد التحقت بالكتيبة المتجهة إلى ولاية ننغرهار للجهاد ضد الدواعش، دون أن أستأذنك، كان قلبي قلقًا لأني لم آخذ الإذن منك).
فقلت له: (يا بُني، لقد سلمتك لمن وهبك لي، لله جل جلاله).
فضحك ضحكةً قوية وقال: (آغا، أنت رجل بحق!)
كررت له عبارتي، ففرح كثيرًا، ثم ودعني وقال: (في أمان الله).
لم أكن أعلم أن تلك كانت آخر وداع بيني وبين ابني، فقد استُشهد بعد أسبوعٍ فقط”.
الشهادة:
قام الشهيد إسماعيل جان، إلى جانب مشاركته الجسدية في العديد من العمليات في مديرية سيدآباد بولاية وردك، برحلة جهادية إلى جبال ننغرهار، لمواجهة تنظيم داعش المنحرف، والذي أُنشئ خصيصًا لإضعاف الإسلام، والمسلمين، والحركات الإسلامية، لا سيّما على المستوى العالمي. هناك، شارك إلى جانب الغزاة الآخرين من مجاهدي الإسلام في هذه المواجهة الكبرى ضد هذه الظاهرة الضالة.
كان الخوارج يلفظون أنفاسهم الأخيرة تحت ضربات الشبان المجاهدين البواسل، الذين هاجموهم ببسالة وجرأة، وكادوا أن يُبيدوهم بالكامل. وهنا تدخل المحتلون – كعادتهم في التعاون مع هذه الجماعات – فشنوا غارات جوية وعمليات ليلية ضد مواقع المجاهدين في الخطوط الأمامية. وفي أثناء هذه العمليات الجوية والليلة، أصبح الشهيد إسماعيل، ومعه كوكبة من غزاة الصف الأول، هدفًا لتلك الغارات الخائنة.
وفي يوم 24 من شهر عقرب عام 1397هـ ش (الموافق تقريبًا 15 نوفمبر 2018م)، وفي منطقة “تنګي وزيرو” التابعة لمديرية خوگیاني بولاية ننغرهار، استُشهد إسماعيل بعد مقاومة شديدة في إحدى المداهمات الليلية التي نفذها المحتلون، وذلك في غارة جوية جبانة رفقة عددٍ من إخوانه المجاهدين.
نَحْسَبُهُم كَذَٰلِكَ وَاللَّهُ حَسِيبُهُمْ.