من صفحات التاريخ: الدولة العثمانية! الجزء الحادي عشر   

حارث عبيدة

7- الإخلاص في الفتوحات لوجه الله تعالى

إن فتوحات الدولة العثمانية التي قادها عثمان بن أرطغرل لم تكن من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية، بل كانت غايتها نشر دين الإسلام وكلمته الطيبة. ولهذا السبب، كتب المؤرخ أحمد رفيق في موسوعته “التاريخ العام الكبير” قائلاً:

“كان عثمان رجلًا متدينًا للغاية، وكان يدرك أن نشر الإسلام فريضة مقدسة. لقد كان صاحب رؤية سياسية واسعة، ولم يؤسس دولته على أساس السلطة، بل على حب نشر الإسلام وتعاليمه.”

ويذكر أحد العلماء المصريين:

“كان عثمان بن أرطغرل يؤمن إيمانًا راسخًا بأن هدف حياته الوحيد هو الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، وقد كرّس كل قوته الجسدية والعقلية من أجل هذا الهدف.”

إن هذه الصفات العظيمة التي تحلى بها عثمان كانت ثمرة إيمانه العميق واستعداده ليوم الآخرة، وحبه للمؤمنين، وكراهيته للكفار والعصاة، وولعه الطبيعي بالجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الحق. ولهذا السبب، كان يطلب من حكّام المناطق التي فتحها إحدى ثلاث خيارات:

1. الدخول في الإسلام،

2. دفع الجزية،

3. الاستعداد للحرب.

وبناءً على ذلك، دخل الكثيرون في الإسلام، بينما قبل البعض الآخر دفع الجزية، أما الذين رفضوا كلا الخيارين، فقد خاض عثمان الحرب ضدهم.

وهكذا، هزم الروم، وضمّ العديد من المناطق إلى دولته. وكان إيمانه العميق بالله وخوفه من الآخرة يمنحه حكمة واتزانًا كبيرين، ولذلك لم يطغَ عليه السلطان، أو المال، أو القوة. بل كان دائمًا منصفًا ورحيمًا ومتواضعًا، مما جعله جديرًا بنصر الله.

لقد خصّه الله بفضله، وهيّأ له أسباب القوة والغلبة في آسيا الصغرى، حيث منحه البصيرة، والجيش القوي، والمهابة والعزة. ولم يكن هذا سوى عناية إلهية خاصة، فتح الله له بها أبواب التوفيق ومهّد له الطريق لتحقيق أهدافه العظيمة.

جهوده في نشر الإسلام وإقامة العدل

بدافع حبه للدعوة الإسلامية، حقق عثمان إنجازات عظيمة. فقد فتح ممالك واسعة بسيفه، وكسب قلوب الناس بإيمانه وأعماله الصالحة. وكان كلما فتح منطقة، سارع إلى دعوة سكانها إلى الإسلام. كما عمل جاهدًا على إرساء المبادئ الإسلامية في كافة أقاليم الدولة، وسعى إلى نشر العدل والإنصاف.

كان يحب المسلمين من أعماق قلبه، وفي المقابل، كان ينبذ الكفار وأهل الفسوق.

قانون الحكم في الدولة العثمانية

لقد كانت الدولة العثمانية منذ عهد السلطان عثمان قائمة على الجهاد والدين. وكان العلماء دائمًا إلى جانبه، تُطبق الشريعة الإسلامية في دولته، وكان النظام يسير وفق مبادئ دقيقة ومنظمة.

ومن وصايا عثمان بن أرطغرل لابنه، والتي لا تزال محفوظة في كتب التاريخ، نقرأ فيها توجيهات تحمل جوهر العقيدة الإسلامية، وهي الأسس التي قامت عليها الدولة العثمانية.

عندما شعر عثمان بدنو أجله، أوصى ابنه قائلًا:

“يا بني! لا تنشغل بأمور لم يأمرك الله بها، وإن واجهتك صعوبات في الحكم، فاستشر العلماء واطلب عونهم.”

“يا بني! أكرم المطيعين لك، وكافئ جنودك بالهبات والعطايا، ولا تدع الدولة تسقط في فخ الشيطان. ابتعد عن الناس الذين يخالفون الشريعة، واعلم أن غايتنا هي رضا الله، وأن الجهاد هو وسيلتنا لنشر نور الإسلام في العالم.”

“تحدّث دائمًا بما يُرضي الله، واعلم أننا لا نحارب من أجل تدمير الأوطان أو استعباد الشعوب، بل حياتنا وموتنا كلاهما من أجل الإسلام. هذا هو إرثك الحقيقي الذي أوكله الله إليك.”

Exit mobile version