إنَّ الله سبحانه وتعالى عليمٌ خبيرٌ بكل شيء؛ لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض. إنه مُطّلعٌ على كل أعمال الإنسان السرية والعلنية. “وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا” (الطلاق: 12).
يسجل الله تعالى أعمال العباد بواسطة الملائكة في كتاب يُحصي فيه كل صغير وكبير، ويكشفه في الوقت المناسب. يختبر الله تعالى عباده بأعمال لا تروق لهم، ولكن هذه الاختبارات هي التي تكشف حقيقة الأفراد؛ من يرضى بأوامر الله وأحكامه ويسلِّم أمره إليه، ومن يتجزّع ويخسر السعادة.
أما الذين يطيعون الله تعالى في كل حال، ويقبلون أوامره ويلوذون به وحده، فإن الله تعالى يوفقهم ويسدد خطاهم.
أهم سمات السلطان محمد الفاتح:
من خلال هذه الدراسة، تتجلى لنا بعض السمات القيادية والشخصية الهامة للسلطان محمد الفاتح، وأهمها ما يلي:
1. الحيطة والحذر:
تجلى هذا الجانب من شخصية السلطان محمد الفاتح عندما ظن أن “بالطة أوغلو”، قائد الأسطول العثماني، قد أخطأ أو تقاعس في أداء مهامه أثناء حصار القسطنطينية. أرسل إليه السلطان رسالة قال فيها: “إما أن تستولي على هذه السفن أو تدمرها. إن لم تستطع فعل ذلك، فلا تعد حيًا!”
وبما أن بالطة أوغلو لم ينجح في مهمته، عزله السلطان وعيّن بدلاً منه “حمزة باشا” قائداً للأسطول.
2. الشجاعة والبسالة:
كان السلطان محمد الفاتح يشارك شخصياً في المعارك، ويقاتل بسيفه. في إحدى معارك البلقان، واجه “استيفان”، حاكم إمارة مولدافيا (بوغدان)، الجيش العثماني. كان استيفان قد أخفى جنوده بين الأشجار والشجيرات. وعندما وصل جيش الإسلام، هاجموا من بين الأشجار بالمدافع وألحقوا الضرر بالجيش الإسلامي، وكاد أن يقع الهزيمة، لكن السلطان أظهر شجاعته.
انسحب بسرعة من المنطقة الخطرة، وقال لقائد الجيش محمد طرابزوني: “يا أيها الغزاة والمجاهدون! كونوا جنود الله جلا جلاله وأظهروا غيرتكم الإسلامية!”
رفع السلطان درعه، وسلّ سيفه، ونزل عن جواده واندفع نحو العدو. سار الجنود خلفه، وقاتلوا وهزموا العدو. بدأت هذه المعركة من وقت الضحى واستمرت حتى العصر. هزم العثمانيون جيش مولدافيا، ونجح استيفان في الفرار، وحصل المسلمون على غنائم وفيرة.
3. العلم والفطنة:
كان المثال الواضح لعلم وفطنة السلطان محمد الفاتح هو الخطة التي وضعها خلال حصار القسطنطينية. قام بنقل سفنه من “بشكتاش” إلى “القرن الذهبي” عبر اليابسة. كان هذا مساراً صعباً به جبال شاهقة وأودية عميقة؛ لكن السلطان عزم وبدأ العمل.
وُضعت على المسار ألواح خشبية ودُهنت بالزيت والشحم لتنزلق عليها السفن وتُجر بسهولة. تم إنجاز هذا العمل العظيم في فترة زمنية قصيرة جداً. هذا الإجراء يدل على تفكيره العميق، وسرعة عقله، وبراعة تدبيره.
4. العزيمة والهمة العالية:
أرسل السلطان محمد الفاتح رسالة إلى قسطنطين، إمبراطور القسطنطينية، يطالبه فيها بتسليم المدينة دون إراقة دماء. كتب له: “إن أسلمتنا المدينة، فلن يتعرض أحد لأي مشكلة. من أراد البقاء، فهو حر، ومن أراد الرحيل، فلا عائق أمامه.”
لكن قسطنطين رفض تسليم مدينته. فقال السلطان بعزيمة راسخة: “حسناً! إما أن يكون عرشي في القسطنطينية، أو قبري!”
عندما أحرق البيزنطيون القلعة المتحركة المصنوعة من الخشب، لم يفقد السلطان شجاعته وقال: “غداً سنبني أربع قلاع أخرى مثل هذه!” هذا القول يدل على عزمه الراسخ، وهمته العالية، وإرادته التي لا تلين في سبيل هدفه.

















































