التمويل عبر الاحتيال باستخدام بطاقات الائتمان:
في العصر الحديث، لم تعد التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، تعتمد فقط على وسائل التمويل التقليدية، بل اتجهت إلى الاستفادة الواسعة والذكية من الإمكانات المعقّدة وغير المرئية في الفضاء السيبراني. ومن أكثر هذه الطرق الجديدة فعالية وربحية أسلوب الاحتيال على بطاقات الائتمان، الذي يستخدمه داعش لتمويل عملياته الواسعة، وشبكاته، وحملاته الدعائية الأيديولوجية.
هذا الأسلوب ليس رخيص التكلفة وفعّالًا فحسب، بل يشكّل أيضًا تحديًا كبيرًا لأجهزة الأمن الدولية من حيث القدرة على المراقبة والكشف. ويتم الاحتيال بهذه الطريقة على مراحل:
أولًا، يحصل التنظيم على بيانات البطاقات عبر أساليب مثل التصيّد الإلكتروني (Phishing)، أو البرمجيات الخبيثة (Malware)، أو الشراء من السوق السوداء الإلكترونية (Dark Web).
ثانيًا، تُستخدم هذه البطاقات لشراء سلع ثمينة، أو بطاقات هدايا، أو حتى العملات الرقمية.
وأخيرًا، تُغسل الأموال الناتجة عبر شبكات غير رسمية، أو الحوالات، أو وسطاء ماليين.
تُظهر هذه العملية أن داعش ليس مجرد تنظيم عنيف، بل يمتلك أيضًا هيكلًا ماليًا احترافيًا وتقنيًا عالي التنظيم. ووفقًا لأبحاث أجريت في دول أوروبية وتركيا وبعض مناطق الخليج، فقد حصل داعش من خلال الاحتيال ببطاقات الائتمان وحده على عشرات الملايين من اليوروهات.
في تقرير لـ يوروبول (Europol) عام 2015، ذُكر أن خلية صغيرة تابعة لداعش حصلت بهذه الطريقة وحدها على 3.5 مليون يورو، ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الشبكة إحدى الركائز الأساسية في تمويل داعش الإلكتروني.
مزايا الاحتيال ببطاقات الائتمان بالنسبة لداعش:
1. صعوبة المراقبة والكشف عن هذه العمليات.
2. إمكانية تحقيق أرباح كبيرة من استثمارات صغيرة بفضل المهارات التقنية.
3. عدم وجود قيود للحدود الجغرافية، ما يجعل هذا الأسلوب تهديدًا حقيقيًا ومستمرًا لواضعي السياسات، وأجهزة الأمن، والجهات الرقابية المالية حول العالم.
الخلاصة:
من الواضح أن التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، تستغل الثغرات التقنية في الأنظمة المصرفية والمالية العالمية لخدمة أهدافها الخبيثة. ويُعد نموذج التمويل عبر الاحتيال ببطاقات الائتمان انعكاسًا واضحًا لشكل الإرهاب الحديث، المختلف عن الأساليب التقليدية، والمتميّز بالتعقيد، والسرعة في التغيّر، والعالمية. ولا يمكن مواجهة مثل هذه التكتيكات التمويلية الاستراتيجية إلا من خلال رد مشترك يجمع بين الجوانب القانونية والتقنية والدولية.
آلية الاحتيال على البطاقات – كما يستخدمها داعش:
كما ذُكر أعلاه، فإن الاحتيال على بطاقات الائتمان يعد أحد أكثر الأساليب السيبرانية الحديثة التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية، وخاصة داعش، للحصول على الموارد المالية. ويتم ذلك عبر سرقة بيانات بطاقات الأفراد أو الشركات بطرق غير قانونية، ثم استخدامها لشراء السلع، أو تحويل الأموال، أو القيام بعمليات خداع مالي أخرى.
الخطوات الأساسية:
1. الحصول غير القانوني على بيانات البطاقة:
التصيّد الإلكتروني (Phishing): ينشئ قراصنة مرتبطون بداعش أو متعاقدون معه رسائل بريد إلكتروني، أو رسائل نصية، أو مواقع ويب مزيّفة تبدو وكأنها تابعة لبنوك أو شركات موثوقة، بهدف إقناع الضحية بإدخال رقم البطاقة، ورمز الأمان (CVV)، وتاريخ انتهاء الصلاحية، وغير ذلك من المعلومات الشخصية، التي تُرسل فورًا إلى القراصنة.
البرمجيات الخبيثة (Malware) ومسجلات ضغطات المفاتيح (Keyloggers): يطوّر قراصنة مرتبطون بداعش فيروسات تلتقط كل ما يكتبه المستخدم على لوحة مفاتيح جهازه، وخاصة أثناء دخول المواقع المصرفية، وترسل المعلومات مباشرة للتنظيم.
شراء البطاقات من الشبكة المظلمة (Dark Web): يشتري أعضاء داعش أو الحلفاء البطاقات المسروقة من السوق السوداء الإلكترونية، وغالبًا ما يتم الحصول على هذه البيانات من قبل قراصنة روس أو آسيويين أو أوروبيين. وتتراوح أسعار البطاقات النشطة التي تحتوي على أرصدة بين 5 و50 دولارًا.