السرقة من الأنظمة المصرفية الأجنبية:
من أجل استمراريتها وتوسّعها، كانت جماعة داعش بحاجة ماسّة إلى موارد مالية ضخمة. وقد أثّرت طرق الحصول على هذه الموارد تأثيرًا مباشرًا على أنشطتها، خاصة تلك الوسائل التي مكنتها من الاستفادة من الأنظمة المالية العالمية. وتُعدّ سرقة الموارد المالية من الأنظمة المصرفية الأجنبية إحدى أهم وأعقد الوسائل التي لعبت دورًا محوريًا في توسّع تنظيم داعش.
فقد اعتمدت الجماعة على هجمات إلكترونية، وأنظمة حوالات غير قانونية، وتزوير الوثائق المالية، لسرقة الأموال من النظام المصرفي العالمي. ومن خلال هذه الأساليب، استطاع التنظيم أن يجني عشرات الملايين من الدولارات، التي تم استخدامها في تمويل عملياته العسكرية، ونشاطاته الإعلامية، وفي إحكام سيطرته على بعض المناطق. وتشير الدراسات إلى أن العائد السنوي لداعش من هذه الوسائل وحدها (الهجمات الإلكترونية والطرق المالية غير الرسمية) كان قد يصل إلى أكثر من ثلاثين مليون دولار.
وتُشكّل هذه المسألة تهديدًا خطيرًا للأمن العالمي، إذ إن محاولات قطع منابع تمويل داعش غالبًا ما تُواجه صعوبات بسبب استغلاله الخبيث للتكنولوجيا. هذا إلى جانب ضعف أنظمة الرقابة في العديد من البنوك الدولية، وتوسّع الشبكات المالية غير القانونية، مما سهّل وصول داعش إلى المال.
وقد تم تحليل إستراتيجية داعش في سرقة الموارد المالية من النظام المصرفي، إلى جانب دراسة عدد من الحالات الدولية الواقعية التي تكشف آلية هذه السرقة.
إستراتيجية داعش في سرقة الموارد المالية من الأنظمة المصرفية الأجنبية:
لم تكتفِ داعش بالاعتماد على الموارد التقليدية لتغطية نفقاتها، بل استغلت بذكاء وسرعة التكنولوجيا الحديثة، والأساليب السيبرانية، والثغرات الأمنية في الأنظمة المصرفية. وقد تم تصميم إستراتيجيتها المالية بحيث تُشكّل ضغطًا كبيرًا على أنظمة الرقابة في الأسواق المالية العالمية، مما يمكّنها من الحفاظ على تدفق مواردها غير المشروعة.
ولا تقتصر أهمية هذه المنهجية على تمويل داعش، بل تُعدّ الضمان الرئيسي لاستمرار نشاطاتها وتوسّعها. ومن أبرز الوسائل التي اعتمدت عليها الجماعة: تقنيات متقدمة في القرصنة والهجمات السيبرانية، حيث تقوم بتحديد الثغرات في أنظمة المصارف الإلكترونية، وتستخدم تقنيات التصيد الاحتيالي والبرامج الخبيثة وغيرها من الأدوات الإلكترونية لاختراق الحسابات المصرفية.
وتستهدف هذه الهجمات غالبًا البنوك التي تفتقر إلى تقنيات الأمان الحديثة أو التي تضعف فيها الرقابة الإلكترونية، ما يجعلها أهدافًا سهلة للاختراق. وبمجرد اختراق الحسابات، تحصل داعش مباشرة على الأموال التي تستخدمها في تمويل عملياتها القتالية واللوجستية. وتُعدّ هذه الهجمات أحد أبرز أساليب الشبكة المالية لداعش، وهي غالبًا ما تبقى خفية عن أعين المراقبين الدوليين.
ومن جهة أخرى، فإن التنظيم استفاد أيضًا من نظام “الحوالة” غير الرسمي المنتشر في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كأداة مثالية لنقل الأموال. ويعمل هذا النظام خارج إطار الرقابة الرسمية والتسجيل المصرفي، مما يجعله تحديًا كبيرًا أمام الأجهزة الرقابية الدولية. ومن خلاله، تستطيع داعش نقل مواردها المالية من منطقة إلى أخرى بسهولة، ومن دون أن تترك أي أثر واضح يمكن تتبّعه.