أخذ الفدية من الأسرى:
عندما عاد جيش المسلمين إلى المدينة المنورة، استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في ما يفعلونه بالأسرى، فقال أبو بكر رضي الله عنه: “يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رأيه، فقال: أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان (نسيبا لعمر)، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها”.
فاختار النبي صلى الله عليه وسلم رأي أبي بكر، وأطلق سراح الأسرى مقابل الفدية، ولكن قرار الفدية لم يكن عامًا للجميع، فقد أُطلق سراح بعض من لم يكن لديهم القدرة المالية بدون فدية، بينما أُلزم بعض القادرين الذين يُجيدون الكتابة بتعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة قبل إطلاق سراحهم، وكان من بينهم زيد بن ثابت رضي الله عنه، كاتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، والذي تعلم الكتابة في هذه الحالة.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر قاعدين يبكيان، فقد نزلت آيات العتاب من الله بسبب قبول الفدية:
(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وعندما عاد جيش الفتح إلى المدينة المنورة، قسّم النبي صلى الله عليه وسلم الأسرى بين الصحابة ليقوموا برعايتهم، وأوصى جميع الصحابة قائلًا: “استوصوا بالأسارى خيرًا.”
ومن المثير للاهتمام أن هذا الجيش لم يحقق انتصارًا، فكانت عادة هذا الجيش أن تقتل أفراد الجيش المغلوب، وإن لم يقتلوهم، فهى درجة النهائية للإحسان، لكن الصحابة عملوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقدمون الطعام أولًا للأسرى، وإذا بقي شيء، أكلوه هم وأسرهم، وإن لم يبقَ شيء، كانوا يقتاتون على التمر.
يقول عبد العزيز بن عمير، أخو مصعب بن عمير: “كنت مع أحد الأنصار، وكانوا يطبخون قليلًا من الطعام صباحًا ومساءً ويقدمونه لي، بينما هم كانوا يعيشون على التمر، وكنت أصرّ على أن يأكلوا، لكنهم كانوا يقولون: (إنما هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا)”.
هؤلاء روّاد الإيثار والتضحية هم أصحاب النهج الذي ساد به الحكم، فلم تصمد أمامهم إمبراطوريات الروم وفارس.
ولا ننسى أن من بين أسرى بدر كان زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، أبو العاص بن الربيع، زوج السيدة زينب رضي الله عنها، وعندما أُرسلت الفدية لتحرير الأسرى، أرسلت زينب رضي الله عنها قلادتها، التي أهدتها لها خديجة رضي الله عنها، فحنّ النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيتها، واستشار الصحابة، فأعاد القلادة، وأطلق سراح أبي العاص بشرط ألا يمنع زينب من الهجرة إلى المدينة، فوفى بوعده، أسلم لاحقًا.
ومن الأسرى الذين أُطلق سراحهم دون فدية: مطر بن حنطب، وصييف بن أبي رفاعة، وأبو عزة عمرو بن عبد الله.
أما أبو عزة، فكان فقيرًا وأبًا لبنات، فاستعطف النبي صلى الله عليه وسلم بفقره، فأطلق سراحه دون فدية، ومنذ ذلك الحين، صار ينشد الشعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان عمير بن وهب من أسرى بدر، وقد قدم إلى المدينة بنية قتل النبي صلى الله عليه وسلم، لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شك في نواياه، فأحضره مقيّدًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فسأله النبي عن سبب قدومه، فقال: “جئت أطلب إطلاق سراح ابني” لكن النبي صلى الله عليه وسلم سأله:
“ماذا قلت أنت وصفوان عند الكعبة؟”
فأدرك عمير أن النبي لا يمكن أن يعرف ذلك إلا بوحي، فأسلم في الحال، وقال:
“أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.”
كان صفوان بن أمية قد تكفّل بعائلة عمير وأرسله لقتل النبي، لكنه لم يكن يعلم أن الله قد كتب له الهداية والنور بدلًا من الظلمة والجهل.