عمر الثالث؛ نجم ساطع من المجد والشرف في سماء الأمة!  

ذو الكفل الذكي

لقد وعدنا الله تعالى بالنصر، ووعدتنا أمريكا بالهزيمة؛ فسنرى أيُّ الوعدين أصدق!

كان شاباً فتياً لم يمضِ وقت طويل على إنزال قاذفته عن كتفه؛ وجراح معاركه البطولية ضد الاتحاد السوفياتي لا تزال بادية على جسده. أحاسيس هذا اليتيم ورؤيته الثاقبة أعادته إلى كومة كتبه المبعثرة، ولم يكد يكمل قراءة بعض الصفحات حتى عادت الغيوم السوداء لتخيّم من جديد على سماء البلد الذي تم إنقاذ من المخلب الأحمر.

ومدّعو النصر في الحرب على الفكر الشيوعي، وأبطال الجهاد والتضحيات، سرعان ما أصبحوا ضحايا شهواتهم وتكبرهم وتناحروا فيما بينهم، والهدف الأساسي الذي كان يتمثل في إقامة نظام إسلامي حصروه في هتافات مجردة، وباعوا دماء مليون ونصف مليون شهيد. الظلم والنهب والانتهاكات زعزعت أمن البلد، حتى لم يعد هناك أمان لا على الأرواح ولا على الأعراض ولا على الأموال.

هذه الحالة تركت أثراً عميقاً في نفس عمر، كان قلقاً ويفكر دوماً في كيفية إنقاذ هذا الشعب المظلوم. الإيمان والأوضاع المتردية، وآهات المظلومين دفعته مجدداً إلى تنظيم كتبه، وبهذا بدأ عمر الثالث تأسيس حركة طالبان الإسلامية، واضعاً بذلك حجر الأساس لمواجهة الفساد والشر في أفغانستان.

هذه المجموعة الصغيرة من المجاهدين الصادقين، حوّلها الله تعالى إلى جيش عظيم قوي بحيث حطّم سدود الآمال أمام الميليشيات الفاسدة، وحرّر البلاد من وجوههم وأفعالهم القذرة، فحكمت الإمارة الإسلامية، ورفرفت رأية محمدية بيضاء على الوطن، وعاد الأمن المفقود بعد عقود، وعادت لأفغانستان سيادتها.

لكن الغرب والكفر العالمي بقيادة أمريكا لم يكونوا راضين بوجود نظام إسلامي يُهدد مصالحهم، ويُمثِّل الإسلام الحقيقي، ويفضح الديمقراطية والعلمانية، ويُلهم باقي العالم الإسلامي من المغرب إلى إندونيسيا والهند بالاقتداء به.

فجاءت ذريعة الحادي عشر من سبتمبر، ليشن فرعون العصر (بوش) حملة على أفغانستان، وسماها الحرب الصليبية التاسعة.

لم ينسَ عمر الثالث إخوانه الذين أتوا من شتى أنحاء العالم للجهاد ضد الغزو السوفياتي، أولئك الأبطال الذين تركوا وراءهم متع الجزيرة العربية، زوجاتهم، آباءهم وأبناءهم، والتحقوا بصفوف الجهاد. ضحّى عمر بملكه لأجل ضيفٍ شريف، ضيفٍ أسقط طاغوت العصر.

وحين هجم تحالف الصليبيين بقيادة أمريكا على أفغانستان، بدأت موجة سوداء من الظلم والوحشية، فمارس الغزاة أبشع الجرائم، من هدم المساجد إلى استهداف العلماء والمدارس، حتى حُرمت النساء والأطفال والشيوخ من النوم بسبب الطائرات والاقتحامات الليلية، وساد الحزن في القرى كل صباح.

في مواجهة الاحتلال، أعاد جيش عمر تنظيم صفوفه، وبدأ حراكه في المناطق، فالتحق شبابٌ متعطشون للشهادة بصفوف المجاهدين، وتحولت الأرض إلى جحيم تحت أقدام الغزاة، حيث كانت القنابل تهز الأرض والتكنولوجيا تنهار في لحظات، وكان كل انفجار يقض مضاجع الجنود خلف الجدران المحصنة، وكانت كل رصاصة تصيب عدواً، والمجاهدون يتسللون في عمق المدن مزلزلين أمن الأعداء.

في خضم هذه الأحداث، لبّى عمر الثالث نداء الأجل، ورحل إلى لقاء ربه، تاركاً خلفه قيادة موحدة، منظمة، ومدبرة، لم تهزّها رياح الخريف.

طوال عشرين عاماً دارت حرب بين الحق والباطل أدهشت العالم، أمريكا وحلف الناتو استخدموا كل ما في جعبتهم، وحوّلوا أفغانستان إلى مختبر حرب، حتى أجبرتهم يد ذلك الطالب المجاهد الذي رُبِّي على يد عمر الثالث رحمه الله، على الدخول في مفاوضات دامت 18 شهراً، لم تعرف أمريكا لها سابقة في تاريخها.

أنزل الله تعالى نصره، وفتحت المناطق والمديريات تباعاً، حتى وصلت المعارك إلى مراكز الولايات، وفتحت المدن بسرعة غير متوقعة، وكان ذلك نصراً مبيناً من عند الله تعالى.

تحرر البلد، ودخلت جيوش الإسلام كابل، وفرّت جيوش الطغيان إلى سيادتهم، فتحقق وعد الله وصدق تنبؤ عمر الثالث رحمه الله.

وكان عمر الثالث ظلاً لرحمة الله على الأمة، شخصية استثنائية، وكأنه لم يكن من هذا الزمان، وُلِد في المعاناة، وعاش في المعاناة، وتوفي في المعاناة؛ هزم الله تعالى بيديه الطغيان المعاصر، وعرّف الأمة من جديد بمفاهيم الإسلام، وأثبت أن الإسلام لا يزال قابلاً للتحكيم، وهو الحل الوحيد لمشاكل العالم.

كانت حياته كلها شرفاً: جهاده شرف، صبره، تضحيته، هجرته، قيادته وموته، كلها كانت مصدر فخر.

يوصي أحد الأساتذة العرب مجاهديه في معسكرٍ ما: اضبطوا إيمانكم وعقيدتكم على مقياس الإيمان والعقيدة التي كان عليها الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله؛ ففي الوقت الذي كانت أمريكا تحارب أفغانستان، وكان السقوط وشيكاً، والمجاهدون ينسحبون من كبرى المناطق، وكانت القاذفات B52 تمطر البلاد، والدماء تملأ الطرقات، في ذلك الوقت الصعب كان عمر الثالث يعدُ مجاهديه بالنصر والفتح.

كان عمر الثالث مجدد القرن الحادي والعشرين، وفخر الأمة والأسوة والقدوة في الإيمان والتقوى والورع والزهد. رحمه الله تعالى.

Exit mobile version