نقد الأسس الكلامية والفقهية لداعش
3- تحليل الانحرافات الفقهية لتنظيم داعش: جرائم تحت غطاء الشريعة
ارتكب تنظيم داعش، بادعائه تطبيق الشريعة الإسلامية، واحدة من أكبر الخيانات في حق الفقه الإسلامي. قدم هذا التنظيم المنحرف، من خلال تحريفه الصارخ للمفاهيم الدينية وتفسيره الأهواء للنصوص الفقهية والإسلامية، صورة خاطئة وعنيفة وغير واقعية عن الإسلام؛ الدين الذي قام على الرحمة والحكمة والعدل والعقلانية. إن الدراسة الدقيقة لأداء هذا التنظيم تكشف كيف قام، باستغلاله للمشاعر الدينية لدى الناس، بتحويل الفقه الإسلامي إلى أداة لتبرير جرائمه.
ارتكزت انحرافات داعش الفقهية على ثلاثة محاور:
1- تحريف المفاهيم الإسلامية.
2- تجاهل إجماع علماء الإسلام.
3- اختلاق أحكام زائفة.
كان داعش يختار الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يستند إليها، ويختار فقط الأجزاء التي تتوافق مع أهدافه الشريرة. على سبيل المثال، استغلوا آية (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) لتبرير قتل جميع غير المسلمين؛ في حين أن هذه الآية نزلت في ظروف خاصة، وقد أكد كبار المفسرين دائمًا على شروط وحدود الجهاد.
انتهك تنظيم داعش في مجال حقوق المدنيين وأسرى الحرب
أصول الفقه الإسلامي بشكل صارخ. فمن أئمة المذاهب الإسلامية إلى كبار الفقهاء؛ أجمعوا على أن قتل النساء والأطفال والمدنيين في الحرب حرام، لكن داعش لم يتجاهل هذا الأصل المسلم به فحسب، بل نشر جرائمه بافتخار، بل واستحدث مفاهيم غير إسلامية على الإطلاق مثل «جهاد النكاح»، وهو مثال صارخ على تحريف الدين لتبرير فسادهم الأخلاقي.
تتمثل إحدى أكبر الجرائم الفقهية لداعش في التوسع غير المسبوق في دائرة التكفير. لقد أعلن هذا التنظيم بتهور تام أن كل مسلم يعارضه مرتد، في حين أن التكفير في الفقه الإسلامي هو الملاذ الأخير ومشروط بشروط صارمة وفحص دقيق. وقد أكد كبار علماء أهل السنة مرارًا وتكرارًا أن التكفير دون التقيد الدقيق بالشروط الشرعية هو نفسه خطيئة كبيرة.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن داعش تجاوز حتى فتاوى علماء السلفية المتشددة، ولجأ إلى إنشاء نظام فقهي خاص به، وأصدر دون امتلاك المؤهلات العلمية والاجتهادية اللازمة
أحكامًا رفضها حتى أقرب الناس إليهم، وهذا يدل على أن داعش لم يكن يسعى إلى تطبيق الشريعة، بل إلى تبرير عنفه المطلق.
ويعتبر تدمير الآثار الثقافية والتاريخية من الجرائم الفقهية الأخرى التي ارتكبها داعش. فباستنادهم إلى روايات ضعيفة وإسرائيليات، قام هذا التنظيم بتدمير التراث الحضاري للبشرية؛ في حين أن فقهاء الإسلام اعتبروا دائمًا الحفاظ على الآثار التاريخية جزءًا من المعرفة الإنسانية، حتى الإمام ابن تيمية الذي ادعى داعش اتباعه، لم يصدر مثل هذه الفتاوى قط.
في الختام، يجب التأكيد على أن تنظيم داعش لم يكن يمثل الإسلام، بل كان العدو الرئيسي لهذا الدين. لقد كانت تصرفات هذا التنظيم تتعارض مع المبادئ الإسلامية إلى حد لم يتمكن حتى أكثر الناس تطرفًا من تأييدهم. اليوم، تقع على عاتق جميع المسلمين مسؤولية التعرف بدقة على هذه الانحرافات، والتوعية وتنوير الشباب وغيرهم، ومنع الجماعات الأخرى من إساءة استخدام المفاهيم الدينية؛ فالإسلام دين رحمة وعدل، وليس دين عنف وتعصب كما يدعي خوارج داعش.