إحسان ساجدي
داعش والنظام القضائي اللاإنساني؛ تشويه وحشي للإسلام تحت ستار الشريعة
قدّمت الجماعة التكفيرية المتطرفة “داعش”، عبر استغلال المفاهيم الإسلامية، أسوأ وأبشع نظام قضائي في التاريخ، نظامًا بعيدًا كل البعد عن الإطار النقي للفقه الإسلامي، مبنيًا على تفسيرات منحرفة، لم يكن له أي صلة بعدالة ورحمة الإسلام، بل تحوّل إلى أداة لترسيخ سلطتها الدموية، وقمع الناس وإرهابهم.
إن النظام القضائي المصطنع الذي أنشأته داعش لم يطابق في أي جانب المبادئ الأساسية للشريعة والعدالة الإسلامية، بل كان مجرد منظومة منهجية من الظلم والرعب والعنف، تحت شعار “تطبيق الشريعة”. غاب عن هذه الجماعة المنحرفة أن الإسلام دين يقوم على العدل والإنصاف واحترام الحقوق وصون الكرامة الإنسانية، وأن نظامه القضائي قد بُني على معايير دقيقة، وشفافية، وفرص متكاملة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم. لكن داعش، باستغلال جهل الناس وظروف عدم الاستقرار، عرض الإسلام في صورة منحرفة وتكفيرية، وقدّمت نفسها كأنها مؤسسة “نظام إسلامي” و”خلافة”.
وقد كانت العقوبات في نظام داعش تُنفَّذ علنًا بهدف بث الرعب: قطع الأعضاء، الرجم، الإعدامات الميدانية، وتمزيق الأجساد. بينما الإسلام يشترط شروطًا صارمة لتطبيق الحدود، مثل وجود شهود عدول، وإتاحة الفرصة الكاملة للدفاع، والتثبت من الأدلة. أما داعش فقد كانت تصدر أحكامها خلال دقائق معدودة في محاكم شكلية، دون أي من هذه الأصول.
فعلى سبيل المثال، في الفقه الإسلامي لا تُطبق عقوبة السرقة إلا إذا لم يكن السارق في حالة فقر مدقع، وكان المال المسروق قد بلغ النصاب الشرعي، وثبتت الجريمة بشهادة شهود عدول. لكن داعش كانت تقطع الأيدي دون توفر هذه الشروط، بل وفي بعض الأحيان طبّقت هذه العقوبة تحت تهمة “الردة”، في تحريف كامل للمفهوم. لم يكن في نظامهم قوانين حقيقية، بل كانت القرارات مبنية على تفسيرات تكفيرية عنيفة.
كما تجاهل داعش حق المتهم في الدفاع. ففي الإسلام، يملك المتهم الحق في تقديم دفاعه، وإبراز الأدلة، بل ويمكن أن يُبرأ إذا لم تثبت الجريمة. بينما داعش أنشأت محاكم صورية لإعدام المئات بتهم مثل “التجسس”، أو “التعاون مع الكفار”، أو “معارضة الخلافة”، دون إتاحة فرصة حقيقية للدفاع.
هذا على عكس ما كان عليه الحال في زمن النبي ﷺ والخلفاء الراشدين، حيث كان يُمنح المتهمون كامل الفرصة للدفاع، وكان القضاة ينصتون إلى أقوالهم بعناية واحتياط. إن نهج داعش لم يكن فقط في تعارض صارخ مع الإسلام، بل كان مخالفًا لأبسط مبادئ حقوق الإنسان.
إن النظام القضائي الإسلامي قائم على المذاهب الأربعة (الحنفي، المالكي، الشافعي، والحنبلي)، وكلها تعتمد على القرآن الكريم والسنة والإجماع والقياس كمصادر، وتملك آليات دقيقة ومنظمة للنظر في القضايا. أما داعش فقد ألغت هذه الضوابط كلها، وأنشأت نظامًا حزبيًا شخصيًا يتركز في يد أفراد محدودين دون أي رقابة مستقلة. بينما الإسلام يجعل الحكم والقضاء تحت رقابة العلماء والمجتمع، فلا يُطبّق أي حكم خارج إطار النصوص الشرعية.
لقد افتقر النظام القضائي الداعشي إلى الشفافية والعدالة تمامًا: فلا وجود لتوثيق الأحكام، ولا لاستماع إلى شهود مستقلين، ولا علنية للجلسات. كانت الأحكام تصدر في غرف مغلقة، وغالبًا بناءً على تقارير مجهولة أو معلومات غير موثوقة، ويُحكم على الناس بالموت ظلمًا. في حين أن الشريعة الإسلامية تقوم على الشفافية، ومشاركة الناس، وحق الاعتراض، وإمكانية إعادة المحاكمة، وهذه كلها مبادئ أساسية لمنع الأخطاء القضائية.
لقد سعى الإسلام دومًا لحماية الحقوق الفردية والاجتماعية، لكن داعش بجرائمها داس على هذه القيم كلها، مشوّهًا صورة الدين في أبشع صورها.


















































