الوحدة الدموية: تحليل انحرافات داعش الطائفية في ضوء دعاوى الوحدة الإسلامية
تُعد الوحدة الإسلامية من الأسس الرئيسية لدين الإسلام، حيث تلعب دورًا مهمًا في تقوية المجتمع الإسلامي من خلال التأكيد على وحدة المسلمين وأخوّتهم وتعاونهم في مواجهة التحديات. وقد بيّن القرآن العظيم وأحاديث محمد ﷺ مرارًا أهمية الوحدة وحذّرت من التفرقة والاختلاف.
في عصرنا الحالي، ومع التحديات السياسية والاجتماعية والثقافية المتعددة، أصبحت الحاجة إلى الوحدة بين المسلمين أوضح من أي وقت مضى. فالوحدة ليست مجرد أصل ديني، بل ضرورة عملية يمكنها أن تمنع الفتن وتُحبط مؤامرات الأعداء. ومن هنا، فإن إدراك المفهوم الحقيقي للوحدة الإسلامية يُعد من القضايا المهمة التي تتطلب اهتمامًا جادًا.
لكن للأسف، فإن الجماعات التكفيرية مثل خوارج داعش، التي تدّعي توحيد الأمة الإسلامية، وجهت في الواقع أكبر ضربة لوحدة العالم الإسلامي وتماسكه. فلم تكتفِ بإهمال مبدأ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}، بل قامت بتحريف عميق للمفاهيم الإلهية والمبادئ الإسلامية، لتقدم مخططها المعادي للإسلام على أنه وحدة.
لقد أصبحت هذه الجماعات التكفيرية أداة في أيدي أعداء الإسلام، واستخدمت سوء الفهم للمفاهيم الدينية إلى حد دهس المبادئ الإسلامية، مما أضعف المجتمع الإسلامي من الداخل بدعاياتها المضللة. فقد رفعت داعش وخوارجها شعار “الوحدة الإسلامية تحت ظل الخلافة الإسلامية”، لكنها في التطبيق أوجدت الانقسام والفرقة بين المسلمين وقدمت صورة مشوهة عن الإسلام للعالم الغربي.
في القرآن العظيم، يُستخدم مفهوم الأمة لجميع المسلمين دون تمييز مذهبي أو ثقافي أو عرقي. فالإسلام دين يؤكد على وحدة الأمة، كما جاء في سورة آل عمران: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}. لكن داعش، بانتهاكها لهذا المفهوم الإلهي، حصرت الأمة الإسلامية ضمن حدود فرقتها الداعشية فقط.
في نظر أفراد هذه الجماعة التكفيرية وقادتها، كان “المسلم الحقيقي” هو فقط من يتبع خط فكرهم بشكل كامل، أما الباقون فكانوا يُعتبرون “مرتدين” أو “أعداء الأمة”. بينما الإسلام شدد دائمًا على “الأخوّة الإسلامية” واعتبر وجود اختلاف داخل الوحدة حقيقة طبيعية.
ومن خصائص أيديولوجية داعش أيضًا خلق سلاسل مصطنعة بين المسلمين، حيث اعتقدت هذه الجماعة التخريبية أن أتباعها وحدهم هم المسلمون الحقيقيون، وأن من يخالفهم ولا يتبع أيديولوجيتهم المتطرفة يستحق الحرمان أو حتى الموت. هذا النوع من الانقسام يتعارض تمامًا مع المبدأ القرآني: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
في الإسلام، تُحدد مكانة الفرد بالتقوى والأخلاق، لا بالولاء لجماعة تكفيرية. ومن خلال هذا السلوك، لم تشكك داعش في القيم الإسلامية فحسب، بل زرعت أيضًا بذور النفاق في قلوب الأمة الإسلامية عبر إنشاء نظام تمييزي داخلها.


















































