الهجرة القسرية للقوى العلمية والفكرية:
تدعي داعش ظاهريًا أنها “الخلافة الإسلامية”، لكن أفعالها أثبتت عمليًا أنها كانت تؤدي الدور الأهم في تقوية أعداء الإسلام. من أكبر وأخفى خدمات داعش كان تدمير البيئة العلمية والثقافية في الدول الإسلامية، مما أدى إلى إجبار القوى العلمية والفكرية على الهجرة قسرًا.
هذا الأمر حرم المجتمعات الإسلامية من عقولها المضيئة وكفاءاتها، ووقعت هذه القدرات في أيدي الغرب، الذي يسعى دائمًا لجذب الكفاءات والخبراء من جميع أنحاء العالم إليه.
أول أثر لداعش كان خلق جو من الخوف وعدم الأمان للمعلمين والأطباء والطلاب الموهوبين. استهدفت داعش في العراق وسوريا ومناطق أخرى الجامعات والمراكز العلمية وحتى المستشفيات.
اضطر العديد من أساتذة الجامعات والأطباء المحترفين لمغادرة بلادهم حفاظًا على حياتهم وحياة عائلاتهم، وتوجه أفضل الطلاب الذين يمكنهم بناء مستقبل المجتمع الإسلامي إلى أوروبا وأمريكا، بهذه الطريقة، نفذت داعش بشكل غير مباشر خطة “تفريغ المناطق الإسلامية من العقول الرفيعة” لصالح الغرب.
كما يجب القول إن تدمير المراكز التعليمية والبحثية كان خدمة أخرى لداعش في خدمة أعداء الإسلام. كانت التفجيرات في الجامعات، وحرق المكتبات، ونهب المختبرات جزءًا من سياستها، ونتيجة لهذا التدمير، أغلقت الجامعات وتوقفت المشاريع العلمية، وفي هذا الجو لم يعد للعلماء والباحثين أمل في خدمة أوطانهم، فاضطروا للهجرة إلى دول أكثر أمانًا.
وهذا ما كان يريده الغرب: إضعاف البنية العلمية للمجتمعات الإسلامية وتقوية مؤسساته التعليمية. فالغرب يدير برامج طويلة الأمد لجذب الكفاءات الأجنبية، سواء عن طريق المنح الدراسية أو الوظائف الجذابة للأطباء والمهندسين.
القوى البشرية التي ربما لم تكن تنوي مغادرة وطنها، أُجبرت على الهجرة بسبب خطر داعش وتدهور البيئة العلمية. في الواقع، أصبحت داعش جسراً يحمل كفاءات العالم الإسلامي إلى الغرب.
هذه الهجرات جلبت فوائد كبيرة للغرب: سُدّت النقص في الخبراء، تعزز البحث العلمي، وانخفضت تكاليف إعداد الكفاءات.
في المقابل، تكبدت المجتمعات الإسلامية خسائر جسيمة؛ فقدت المستشفيات أطبائها الخبراء، وأفرغت الجامعات من أساتذتها الأكفاء، وفقدت الأجيال الجديدة نموذجها العلمي والفكري. في كثير من البلدان، تزايد التدهور العلمي والاعتماد على الغرب، لأن أهل الفكر باتوا يخدمون في مختبرات ومستشفيات أوروبا وأمريكا بدلاً من أوطانهم.
هذا التراجع العلمي والثقافي هو بالضبط ما كان يبحث عنه أعداء الإسلام. فداعش، رغم شعاراتها الإسلامية اللامعة، حققت عمليًا أهداف استعمارية جديدة، كان من أهمها إضعاف المجتمعات الإسلامية من الداخل.
داعش لم تقدم للأمة الإسلامية سوى الخراب والإرهاب والفوضى، لكنها كانت فرصة ذهبية للغرب لجمع الكفاءات الإسلامية العليا واستغلالها في تحقيق أهدافه الاستعمارية والعسكرية. هكذا، لم تكن داعش مجرد عدو وهمي للغرب، بل أصبحت في الواقع خادمة كاملة لتقوية الحضارة الغربية وإضعاف الأمة الإسلامي..


















































