تشويه مفهوم الهجرة والبيعة!
منذ الأيام الأولى لظهور داعش، كان واضحاً لأصحاب العقل والحكمة أن هذا التنظيم ليس في خدمة دين الله وشريعة محمد، بل هو أداة بيد أعداء الإسلام وسلاحٌ مميتٌ ضد الإسلام.
ارتكبت خوارج داعش، تحت رأية “الخلافة” الزائفة، جرائم أَجْرَحَت الأُمَّةً الإسلاميةً من الداخل، وسهَّلت هجمات الأعداء الخارجيين.
أظهرت تصرفات داعش بوضوح أنها، على الرغم من ادعائها الباطل بأن هذا الحراك إسلامي وأنهم يدافعون عن المسلمين في العالم، إلا أن مسارهم كان في الواقع مُتَّبِعاً لأهداف سادتيهم الغربيين، وقاموا بكل ما في وسعهم لتحقيق مصالحهم.
قتل المسلمين، تدمير البلاد الإسلامية، إثارة الفتن الدامية، وتصوير صورة قاسية وغير إنسانية عن الإسلام، كلها جزء من الخدمات التي قدمها هذا التنظيم للجبهة الكافرة؛ وذكرنا تفاصيلها في الأجزاء السابقة من هذا السلسلة.
استغلال مفاهيم الشريعة وتشويهها، يُعدّ من أكبر إنجازات خوارج هذا العصر لسادتهم؛ حيث أحدثوا ضرراً لا يمكن إصلاحه لهذه المفاهيم من خلال تفسيرٍ مُضلّل لمفاهيمٍ كالجهاد، والخلافة، وتنفيذ الحدود، وغيرها، وسعوا إلى إبعاد جيلٍ جديدٍ من الأمة عن هذه المفاهيم.
الهجرة والبيعة أيضاً من المفاهيم الشرعية التي لم تسلم من يد الخوارج؛ فقد حول الخوارج داعش هذين المفهومين اللذين يُعدّان من ركائز بناء الأمة الإسلامية إلى أدواتٍ للتضليل والفتنة.
الهجرة في المنطق الإسلامي، حركة مقدسة من أجل نصرة دين الله وفرار من الفتنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها.» رواه أبو داود.
لكن دواعش الخوارج حولوا الهجرة إلى رحلةٍ نحو القتل والاضطراب، وخدعوا الشباب البسطاء لكي يهجروا، ليس نحو إقامة الدين، بل نحو أوكار الفتنة والفجور.
من ناحية أخرى، البيعة في الإسلام عهدٌ بالطاعة لِإمامٍ عادلٍ يُقيمُ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ رسولهِ صلى الله عليه وسلم. كما قال: «مَنْ ماتَ وليسَ عَلَيْهِ بيعةٌ، فَماتَ مِيتَةً جاهليةً.» رواه مسلم.
ولكن البيعة التي طلبها داعش كانت بيعةً بِسُفهاءٍ جُهلاءَ، لا بِأئمةِ هُدىً. باسم البيعة، فصلوا الأمة عن العلماءِ الربانيين والأمراءِ والمُجاهدينِ الربانيين، وألقوا الناس في شراك طاعةِ الزعماءِ الفاسدينِ والمُحرّضينَ على الفتنة.
تحريف هذه المفاهيم المقدسة ضربٌ شديدٌ في جسد الأمة الإسلامية. فبدلًا من إقامةِ حكم العدل، كما ادَّعَوا، حوّلَ داعشُ الأراضي الإسلامية إلى ساحة حربٍ أهليةٍ، وإلى مجازرٍ، ومهجرٍ.
لقد أصبح واضحًا للجميع أن داعش لم تكن مُمثّلةً للجهاد، ولم تكن مُظهِرَةً للخلافة الإسلامية، بل كانت مشروعًا مُدبّرًا من قِبل أعداء الأُمّة، وسلاحًا في أيديهم لتدميرها من الداخل.
يجِبُ على الأُمّةِ الإسلامية اليوم فصل المفاهيم النبيلة للهجرة والبيعة عن تعاريف الخوارج المُضللة، وتقديمها على نحوٍ صحيحٍ للأُمّة، حتّى لا يُغرّر بالشباب من جديد بكلماتٍ مُلَيّنةٍ مُلوّثةٍ بسُمّ الخوارج، ويحصنوا أنفسهم لمواجهة هذه الفتنة.