بعض التوضيحات حول عقيدة الخوارج:
ناقش الخوارج القضايا العقائدية مثل غيرهم من الفرق، ولكن معظم آرائهم لم تصلنا من كتبهم الخاصة، بل عُرفت من خلال كتب أهل السنة والجماعة. فقد قام علماء أهل السنة والجماعة وغيرهم بنقل آراء الخوارج، وكما أوضحنا سابقًا، فإننا نعتبر هذه النقولات مصادر موثوقة في بيان معتقداتهم.
فيما يلي سنذكر أهم المسائل التي كان للخوارج فيها رأي خاص:
1- هل يقوم الخوارج بتحريف النصوص أم لا؟
بدأ تحريف النصوص بعد عصر رسول الله ﷺ والصحابة الكرام، مع ظهور الفرق والجماعات، وهو أمر خطير، لأن التحريف يبعد الناس عن المعنى الأصلي للنصوص.
حول موقف الخوارج من تحريف النصوص، اختلف العلماء إلى ثلاثة آراء:
1. الرأي الأول: يرى بعض العلماء أن الخوارج ظاهريون، أي أنهم يأخذون النصوص بظاهرها دون البحث في معانيها العميقة. وهذا هو رأي أحمد أمين وأبي زهرة.
2. الرأي الثاني: يرى بعض العلماء أن الخوارج يحرفون النصوص لتتماشى مع معتقداتهم، معتقدين أن تأويلهم هو المعنى الحقيقي للنصوص. وهذا هو رأي ابن عباس رضي الله عنه، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وابن القيم رحمه الله.
3. الرأي الثالث: يرى بعض العلماء أن الخوارج ليس لديهم منهج موحد في هذه المسألة؛ فبعضهم ظاهريون، وبعضهم يحرفون النصوص. وهذا ما ذكره الإمام الأشعري رحمه الله في كتابه “مقالات الإسلاميين”.
2- موقف الخوارج من صفات الله جل جلاله
لم أجد معلومات واضحة حول عقيدة الخوارج في صفات الله عند مراجعة كتب علماء الفرق والمذاهب، لكن الشهرستاني نقل عن فرقة الشيبانية أن زعيمها أبو خالد زياد بن عبد الرحمن الشيباني كان يرى أن:
“الله جل جلاله لم يكن لديه علم حتى اكتسب العلم بنفسه، ولا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.”
ذكر الشهرستاني هذا القول في كتاب “الملل والنحل”.
وهذا الاعتقاد باطل، لأن صفات الله قديمة وأزلية، وليست مخلوقة. فكل ما يخلقه الله، يخلقه بعلم وإرادة، ومن المستحيل أن يخلق الله شيئًا بدون علم.
3- موقف الخوارج من مرتكبي الكبائر
يعتقد الخوارج عمومًا أن مرتكب الكبيرة كافر، ولكنهم يختلفون في تفاصيل هذا الحكم:
1. غالبية الخوارج يعتقدون أن مرتكب الكبيرة كافر كفر ملة، أي أنه خرج من الإسلام وسيخلد في النار مع الكفار. وهذا رأي الفرق التالية: المحكمة، الأزارقة، المكرمية، الشيبانية (إحدى فرق اليزيدية)، النجدات.
2. الإباضية يعتقدون أن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة، وليس كفر ملة، أي أنه لم يخرج من الإسلام، لكنه لم يؤدِ شكر الله كما ينبغي. ومع ذلك، فهم يرون أنه إذا مات على معصيته، فإنه يدخل النار، ويعتبرونه منافقًا في الدنيا.
أدلة الخوارج واستدلالهم على تكفير مرتكب الكبيرة
1. الدليل الأول – الاستدلال بالآية:
“هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن” (التغابن: 2)
يقول الخوارج: الله قسّم الناس إلى مؤمنين (ممدوحين) وكافرين (مذمومين)، والفاسق ليس من المؤمنين، إذن فهو كافر.
الرد: هذا الاستدلال غير صحيح، لأن الآية لم تذكر إلا مجموعتين، لكنها لا تنفي وجود مجموعة ثالثة، وهم الفساق (مرتكبو الكبائر). فالآية تصف التقسيم العام للبشرية، لكنها لا تعني أن كل فاسق كافر.
2. الدليل الثاني – الاستدلال بالآية:
“ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” (المائدة: 44)
يقول الخوارج: كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ومرتكب الكبيرة لم يطبق شرع الله، إذن فهو كافر.
الرد:
هذا الفهم خاطئ، لأن هذه الآية تتحدث عن الذين ينكرون حكم الله عمدًا ويستبدلونه بالكفر. أما من يعترف بحكم الله ولكنه يعصي بسبب ضعف أو شهوة، فلا يُكفر حتى تُقام عليه الحجة.