لطالما شاعت تلك الروايةٌ الخاطئة بأن باكستان عدوة لأفغانستان، وأن باكستان لا تريد حكومة ممكنة ومركزية في أفغانستان وتعد ذلك ضررا وتهديدا لها، ولقد كنا نعتقد بأن العلمانيين وعملاء الصليب والشيعة الأفغان اختلقوا هذه الرواية ليستثيروا مشاعر عامة الأفغان بهذا الزعم الكاذب على المجاهدين الأفغان ضدّ الاحتلالين السوفياتي والصليبي، أو يتخذوهم حماةً حراساً لأنفسهم.
لقد مسّت الحاجة إلى اختلاق رواية مناهضة لباكستان كونه لم يكن لدى عملاء الاحتلالين السوفياتي والصليبي حل أو طريقة أخرى لتشويه صورة تضحيات الشباب البسطاء بدمائهم وأجسادهم وأرواحهم، ولقد نشر هؤلاء المحتلون الأجانب مع عبيدهم الأفغان الكثير من الدعايات المعادية ضد باكستان لدرجة أن غالبية السكان تجاهلوا الاحتلال والأضرار والمجازر التي ارتكبتها السوفيات والصليبيون، لكن وقفوا مع الحكومة العميلة بسبب حساسيتهم الزائدة تجاه احتلال باكستان الكاذب، فراح الكثير ضحية تلك الدعاية، ولقد كانوا مخمورين بالعداء تجاه باكستان لدرجة أنهم ما كانوا يعلمون بأنهم يقتلون إخوانهم المجاهدين الأفغان الذين يضحّون بأنفسهم من أجل الإسلام ورفاهية أفغانستان وحريتها.
لكن لا ينبغي أن نعتبر هؤلاء الشباب المجاهدين بسطاء أو نقول بأنهم لا يدركون الحقائق، فليس من السهل إعداد شخص لفداء النفس، بل هناك حاجة إلى أدلة حقيقية وواقعية، فلو كنت أفغانياً، ويعتبر أحد الحرب في أفغانستان دفاعاً عن باكستان، واقتنع بأن بقاء باكستان يكمن في الحرب في أفغانستان، فبالتالي يثير استخدام الجيش والمقاتلين لصالح المصالح الوطنية الباكستانية ضد المصالح الوطنية الأفغانية مشاعر كل محبّ للوطن، وهذه المشاعر قد تعمى أحدهم.
إذا اشتكى أفغاني من أن باكستان من خلال بعض إجراءاتها المخططة والدعائية، قد عززت الدافع الكاذب الذي من أجله اتخذت العملاء الأفغان عواطف ومشاعر شبابهم رهينة لمدة، مما أدى إلى مقتل الآلاف، ومن ناحية أخرى، للحصول على متاع زهيد من الدنيا كانوا يقتلون قادة الجهاد الأفغاني والأبطال لأجله، ويعتقلون مقاتلي طريق الحق ويعذبونهم وينكلون بهم ويقتلونهم ينقلون بياناتهم للكفار كي لا تخمد النيران في أفغانستان، وأن تكون النار في الجوار مشتعلة تشبّ، وأن تكون الحرب شرسة، مدمرة، أعتقد أن شكوى الإخوة الأفغان لها ما يبرر، وأبرر أيضا تلك الكراهية التي لا تعتبر باكستان نفسها أهلا لها، وأنا على يقين بأن هؤلاء القتلة المرتزقة سيُسألون، وحينها يجب على الشعب الباكستاني أن يقف مع الحق.
أفغانستان وباكستان بلدان مجاوران، يشتركان في جغرافيا، ولغة وثقافة ومعتقدات ودين واحد, والتفرقة بينهما والانفصال ليست واقعية, فهناك مئات الطرق للوحدة والاتحاد, ورغم هذا توجد مناقشات من الكراهية بين الأفغان حول باكستان، ونحن الباكستانيون نلقي اللّوم على الأفغان، بينما لم نحلل هذه القضية بعناية قط.
كما قادت باكستان بعد هزيمة الاحتلال السوفياتي، الحرب الأهلية في أفغانستان، وعملت كل ذلك بإشارة الغرب، وكانت تدافع عن المجاهدين لأغراضها السياسية والذاتية في الجهاد ضد الاحتلال السوفياتي، حيث دعمتهم دعماً منظماً ومخططا، وهكذا تفعل الآن بعد هزيمة الاحتلال الأمريكي بإشارة من الغرب لافتعال صراع جديد مع أفغانستان، وإلا فما هي مشكلة حكومة باكستان مع الحكومة الحالية في أفغانستان؟
يقال إن قضية حركة طالبان الباكستانية عظمتْ، ولكن تنقّل المسؤولين الباكستانيين إلى الغرب، والأحداث الأمنية والدبلوماسية الأخيرة ضد الصين وإيران، والصراع في المنطقة والدول المجاورة، والاقتراب من تنظيم داعش الغربي، وبعد تقديم مقترحات وأفكار واضحة لدعم مصالح الغرب وأهدافه، فإنه لا يقبل أي عاقل أن تنقطع العلاقات القوية بين هذين الشعبين لتحقيق هذه الذرائع, ولولا المصالح الشخصية لقادة الجيش، فلماذا يضحون بمصالح الشعب الباكستاني العظيم التي هي مع أفغانستان.
إنّ حل مسألة حركة طالبان الباكستانية بالطريقة التي يريدها الجيش الباكستاني ليس معقولاً، وهو غير ممكن، بحيث تصر باكستان بحل غير معقول وهو أن تخوض إمارة أفغانستان الإسلامية الإسلامية حربا مع أصدقائها القدامى وهم ينظرون إليهم، فلو اتخذت إمارة أفغانستان الإسلامية الإجراء ضد طالبان الباكستانية مثلما تريد باكستان، فلن يقتصر الأمر على صدق انتقاد خصومهم الذين كانوا يقولون مدى عشرين سنة الماضية فيهم بأنهم عملاء باكستان، بل قد تكون هناك انتفاضات ضدهم، ومن المحتمل أيضا أن توجّه حركة طالبان الباكستانية بنادقها نحوهم، ففي الوقت الذي ليست لإمارة أفغانستان الإسلامية أصدقاء في العالم كله، وهي في عزلة عن كل العالم بما في ذلك باكستان، ويحاول الجميع إسقاط هذه الدولة بأي طريق ممكن، كيف يعقل من ناحية الأسباب أن تعلن العداوة مع جميع المسلمين، والأصدقاء بالإضافة إلى عداوة العالم لها؟
نفذت باكستان غارات جوية على أفغانستان، وهذا انتهاك لسيادة أفغانستان وأمنها القومي ومجالها الجوّي لبلد خرج للتو من الحرب بينما هو يعلق آمالاً وتوقّعات كبيرة من باكستان، وهي غارات لا يوجد لها مبرر بعد، كما أن قصف أفغانستان لا يمكن أن يغير عقلية الشعب الباكستاني، والمبرر الوحيد لذلك هو أن الجيش يتخذ خطوات بناءً على طلب الغرب تهدف إلى إثارة حرب كبرى، وقد لا تؤدي مثل هذه الحرب إلى تدمير أفغانستان، ولكنها ستزيد من غرق الأسطول الباكستاني الغارق، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة فادحة للشعب والحكومة الباكستانية، ولكن الأرباح سوف يتقاسمها بعض القتلة المرتزقين في الجيش.
وفي الختام يجب أن نقول: إن هذه الرواية التي تم ترسيخها ونشرها في أفغانستان فيما يتعلق بباكستان، للأسباب المذكورة أعلاه والعديد من الأسباب الأخرى، لم تأتي عبثا، فنحن لم نتعامل مع أفغانستان كصديق، وإنما نظرنا لها من جانب منفعي برغماتي استراتيجي وسياسي بحت فما كانت تلك العلاقة قائمة على حسن النوايا.
ثم نحن لم نبذل أي جهد حقيقي بعدُ لمواجهة الرواية الشعبية المناهضة للباكستانيين في أفغانستان، ولم نعتبر أنه من الضروري أو المهم كسب قلوب وعقول الأفغان، واعتبر حكامنا بسبب غطرستهم وكبريائهم الشعب الأفغاني غير متكافئ وجدير بالمنافسة، ولم يعتبروهم أهلا ليقوموا باستمالتهم وإرضائهم، فمن الممكن أن تكون باكستان معادية لأفغانستان باعتبارها عميلة للغرب ومرتزقة نشطة في المنطقة، حتى يتمكن الغرب من فصل أفغانستان عن الشرق من خلال هذا الجندي العميل، ويسيطر على التهديدات المتوقعة لمصالح الغرب في أفغانستان نفسها.
باعتباري مسلمًا باكستانيًا اعتذر إلى الشعب الأفغاني المتديّن، أعتذر عن عدم قدرتي على حمايتكم من إضرار الجيش العميل، لكن يمكنني أن أقول على وجه اليقين أنّ بقاءكم على قيد الحياة يكمن في وقوفكم بجانب حكومتكم سواء أعجبتكم أم لا ، فلا تتوقعوا أي شيء من حكومتنا، فهم لا يرحمون، ولا تُتوقع منهم أي رحمة على الإطلاق، آمل أن تتمكنوا من التفريق بين الشعب الباكستاني والحكومة الباكستانية.
اللهم قد بلغت اللهم قد بلغت